ثورة اون لاين -هفاف ميهوب:
“كن أعمى عندما ترى ما لا يروق لك”.. مقولة استوقفتني وأنا أتصفح كتاب الأميركي “ديل كارنيجي” المؤلف الشهير في تقديم دروس عن تطوير الذات، وضمن كتابه الأكثر شهرة “دع القلق وابدأ الحياة”.
أما لماذا استوقفتني هذه المقولة، فلشعوري بأن كلّ ما أصبحنا نراه في الحياة، لم يعد يروق لنا، وبأننا أصبحنا نعيش فعلاً، ما جسده البرتغالي “جوزيه ساراماغو” واعتقدناه خيالاً وليس واقعاً.. واقعُ ما يعيشه العالم من عماء، عاشه جميع أبطال روايته بسبب وباء غامض استشرى في إحدى المدن، فأثار القلق والذعر والفوضى العارمة بين سكانها.
نعم، نحن نعيش حالة من الذعر والفوضى والقلق، وبسبب أوبئةٍ عديدة هي ذاتها الأوبئة التي رآها تنشر الحقد والجهل والشرِّ وكلّ ما زاد من العمى الإنساني والأخلاقي والفكري. العمى الذي يحتاجُ لمبصرٍ عاقل يقول ما قالته زوجة الطبيب التي جسدت في الرواية الوعي المبصر بقولها:
“لا أعتقد أننا عُمينا، بل أعتقد أننا عميان يرون.. بشرٌ عميان يستطيعون أن يروا لكنهم لا يرون”.
حتماً، لم تكن مقولة “كارنيجي” وحدها التي استوقفتني وذكّرتني بأننا جميعاً مصابون بـ “العمى” في زمنٍ، لا شيء يروق لنا فيه، وكـ “بشر عميان يستطيعون أن يروا لكنهم لا يرون”.
لم تكن مقولته هذه وحدها التي استوقفتني، بل أيضاً مقولة أخرى أكدت لي، مقدار حاجتنا في ظلّ ما نعيشه من ضوضاءٍ على كافة المستويات، إلى الصمت، ولأنه حسب رأيه “صحة وعافية”.
هذا ما نحتاجه في زمنٍ نرى فيه مقدار هيمنة الخوف والرعب والوسواس على عالمنا.. أيضاً، مقدار غرقنا في الأمراض النفسية والجسدية، وتفكيرنا السلبي البائس والمتشائم من كلِّ ما يدفعنا لرؤية ما حولنا بطريقةٍ قاتمة أفقدتنا طمأنينتنا وسعادتنا ومعنى حياتنا.
بيد أنه كان على حقٍّ في هذه الدعوات التي لم يوجِّهها ضمن كتابٍ استمر ست سنوات في كتابته، إلا بعد أن شعر بمقدار الإحباط بل العجز والجنون والانهيار الذي قد يصيب الإنسان، بسبب القلق الوجودي الذي دعا إلى تجنّبه بنصيحته:
“لا شيء أقوى من إرادة الإنسان على هذه الأرض.. عندما تعطيك الحياة سبباً لتيأس، أعطها ألف سبب للاستمرار. ما يجعلك سعيداً أو تعيساً، ليس ما تملكه أو من تكون أو المكان الذي أنت فيه، أو حتى الأفعال التي تقوم بها.. ما يجعلك سعيداً أو تعيساً هي أفكارُكَ أنت”.