كما الشجرة وظلها.. لكل الأشياء ظلال.. قد تكون أجمل من الأصل إلا أنها ليست هو.. ولتبقى انعكاساً يمحوه تبدل زاوية النور.. وكذلك في عالم الأدب، والفن فهناك كاتب (شبح) تختفي ملامحه وراء الكلمات، أو الألحان، أو خطوط الرسم.. معادلة بين طرفين لكل منهما فيها مبرراته في أن يخرج إلى العلن، أو أن يظل في الخفاء.. فكم من مؤلفي (الظل) ظلوا يكتبون لكتّاب، أو يؤلفون لموسيقيين، أو يرسمون أبدع اللوحات لمن انتحل إنتاجاتهم، ولم ينتحل أسماءهم، فظلوا مغمورين لصالح من أصبحوا مشهورين.
وقد يكون التحرير أحياناً الذي تعتمده دور النشر، وخاصة الغربية منها، لتصحيح النص نوعاً آخر بديلاً أقرب ما يكون بأداء كاتب ظل، أو أنه ذلك الشبح الذي يضبط النص وفق معايير الناشر ليكتمل المُنتج من وجهة نظر تَفرض، وأخرى تَقبل.
ليس هذا فحسب بل إن بعض كتّاب (السيناريو) قد يلجؤون إلى ورشات من كتّاب ظل حتى تكتمل حلقات عديدة تتنوع فيها الأفكار، وتكثر من خلالها الأحداث، وبخاصة تلك ذات النَفس الطويلة التي تتشابك فيها الأحداث وتتقاطع، وتكثر الشخصيات مما يجعلها عملاً مرهقاً لكاتب واحد أن يحبكها بمفرده، ولو أنها ستُمهر في النهاية باسمه وحده.
لكننا الآن أصبح لدينا آلاف من كتَّاب الظل من خلال المدونات التي ينشئها أصحابها، ولا يجدون الوقت الكافي، أو القدرة اللازمة لتزويدها بتدويناتهم.. إنه شكل جديد من أشكال كاتب الظل، أو الكاتب الشبح الذي وجد له فضاءً جديداً أكثر غزارة، وأرحب مساحة لطرح الأفكار.
والأمر ليس حكراً على الكتَّاب الذين يستغلون شهرتهم ليظللوا بعباءة الشهرة كتَّاباً آخرين قد يكونوا أكثر موهبة منهم.. أو حكراً على من ينفقون بسخاء ليعيشوا نشوة رؤية أسمائهم وقد طبعت بأحرف بارزة، واضحة فوق غلاف كتاب وقد سبقتها كلمة: (بقلم)، أو (تأليف).. تلك النشوة التي قد تأتي بالشهرة، خاصة إذا ما كان كاتب الظل مؤلفاً محترفاً، أو صاحب موهبة.. بل إن الأمر يصل إلى رؤساء، ورجال سياسة، ومشاهير سواء في خطابات، أو كتب مذكرات، وسير شخصية، وهو أمر بات معروفاً، ومألوفاً.
وذلك الشبح، أو الظل الذي لا يقتصر على القص، ولا يعيش في عالم الكلمة فقط شعراً أكانت، أم قصة، أو رواية، أو مقالة.. فإن حضوره في مجال التأليف الموسيقي، أو الرسم الفني قد يكون أكثر حرارة.. وكذلك هو الحال مع ما استجد الآن من وسائل حديثة للتدوين وما أصبح يُعرف بالمدونات التي تحتاج لمن يتقن لغتها، ويعرف أساليب التعامل معها.. وعند هذه المرحلة لا يسأل أحد نفسه عما هو أخلاقي، أو أنه من الزيف، والخداع، ولا يهم إن انكشف الأمر في الغد، أو ما بعد الغد لأن ما يهم هو ما يحققه اليوم، وليذهب كل ما بعده أدراج الرياح عاتية مرت، أم دون آثار.
وفي زمن المدونات، والتباهي أصبح لكاتب الظل مهنة رائجة، ربما يكثر عليها الطلب مادامت أبواب الاشتهار، والانتشار قد فُتحت واسعة من خلال شبكة المعلومات، ومواقعها لمن يطلب، ولمن يرغب.. وبدائل الموهبة، والإبداع متوفرة بطبيعة الحال.
وهي ليست بظاهرة جديدة، أو مستحدثة في نهاية الأمر، بل هي قديمة، ومعروفة، ولم ينج منها حتى بعض المشاهير، ومن بينهم أمير المسرح، والشعر الإنكليزي (ويليام شكسبير) وقصته مع المرأة السوداء التي كانت تأتيه في وشاح الظلام على أنها الشبح المنشود لدرر الكلام.. وبقي باب اللغز مفتوحاً للجدل، والنقاش، ولو أن وسائل التحقق الحديثة عملت على أن تثبت أن (شكسبير) كان مبدعاً أصيلاً دون ظل، وإنما لكلماته ظلال من روعة تفيأ بها الشعراء، والكتَّاب، والمسرحيون على مدى قرون، وقرون.. إلا أن المستحدث في هذه الظاهرة هو ما أفرزه الفضاء الإلكتروني من المدونات التي أصبح لها من يختصون بتغذيتها نيابة عن أصحابها.
الكتابة في الظل.. صفحات بيضاء يتقن أحدهم ملئها.. بينما يتقن الآخر استغلالها.
(إضاءات) ـ لينــــــا كيــــــــلاني ـ