بكثير من التوجس ،يلامس المتابعون الوضع المعيشي والضائقة الاقتصادية التي تمر بها البلاد فلا هم قادرون على تجاهلها ولا هم يمتلكون الحلول والوصفات الجاهزة للخروج من أزمة تتفاقم يوماً بعد يوم. وإن كانت الأسباب معروفة للقاصي والداني إلا أن التبريرات غير مقبولة ومرفوضة طالما بقيت الحكومة غير قادرة على اجتراح حلول أو وضع خطط يرى فيها المواطنون ضوءاً في نهاية هذا النفق، فما نهاية هذه الضغوط؟ وهل ستجدي العقوبات الظالمة الأحادية الجانب والإجراءات الأميركية والأوروبية في إخضاع سورية لمطالبها وتحويلها إلى دولة تابعة لسياساتها ولا تعرف غير الخنوع والاستلاب والاستسلام لأوامر واشنطن والاتحاد الأوروبي خدمة للمشروع الصهيوني؟
ربما كانت هذه التساؤلات كفيلة بتقديم الإجابة أو جزء منها على أقل تقدير ، فليس ثمة شعب يرتضي الخنوع والتبعية؛ فكيف يكون الحال بالنسبة للشعب السوري الذي قدم الأمثلة الحية في التمسك بالحقوق الوطنية والدفاع عنها بدءاً من أول التكوين ومروراً بالكثير من المعارك والتحديات وصولاً إلى الوقت الحالي وما يشهده من مواجهة مع قوى البغي والعدوان وأدواتها الإرهابية في أسوأ وأقذر مواجهات شهدتها البشرية على امتداد تاريخها الطويل.
وهكذا في ظل هذه الحال من الجدل والتناقض ما بين الحاجة للعيش والاستعداد للتضحية والفداء، تظهر المقدرات والإمكانيات المخبوءة تحت حال العوز والحاجة فتتبدى في البحث عن مخرج قاعدته الشعب الصامد الملتزم المضحي ومحركه المؤسسات الحكومية المختلفة ، تلك المؤسسات الملزمة بوضع خطط وآليات للتخفيف من تبعات وعواقب حالة الحصار والضغط هذه سواء كانت في ميادين المواجهة أو في قطاعات العمل والإنتاج لتعويض النقص في مصادر الدخل الفردي ورفع حالة الحاجة عن كاهل المواطن والابتعاد كلياً عن جميع الإجراءات التي تلامس الحالة المعيشية للمواطن في أبسط أشكالها، فهل نحن قادرون على تحقيق ذلك والانتصار على قوى البغي والعدوان وهزيمتها بشكل نهائي.
في الإجابة الفصل نقول إننا قادرون وبكثير من الثقة واليقين فشعبنا قادر على تحويل التحديات إلى فرص للنجاح ؛ تماماً كما كانت حصارات الغرب لنا في ثمانينيات القرن الماضي فكان الرد اعتماداً على الذات أنتج وفرة اقتصادية في مختلف المجالات الزراعية وتمثلت إبداعاً واختراعات صناعية وآلية عوضت احتياجاتنا من الأجهزة والمعدات.
فالقاعدة الشعبية جاهزة وتزداد إصراراً واستعداداً للعمل فيما يبقى دور المحرك الحكومي محكوماً بالوقوف على المتطلبات المستجدة للناس والاستجابة لها وتقديم النماذج الحية والمقنعة التي تجعل مهمة المنصب تنحصر في الخدمة العامة ووضع أفضل الآليات التي تساعد المنتجين والعاملين ، وخاصة في المنشآت الصغيرة والورشات والمشاغل وتقديم المساعدات لها والابتعاد كلياً عن الإجراءات الضاغطة المحكومة بالتحصيلات الضريبية غير المدروسة، الأمر الذي يسهم بزيادة الفاعلية والتفاعل وتعويض النقص المفروض بتلك الإجراءات العدوانية أحادية الجانب الأميركية والأوروبية.
وهكذا تبقى المسألة مرتبطة بالقدرة على الوصول إلى حالة من القناعة والتفهم والقبول والاستعداد والرضا ما بين المواطن والمسؤول كواحدة من الشروط المؤسسة لنجاح مؤكد يحول هذا التحدي إلى فرصة للفوز والانتصار في واحدة من المعارك المستمرة في حرب طويلة مع قوى البغي والعدوان وهي حرب لن تنتهي إلا بإسقاط الفكر الاستعماري بصورة كاملة وهو وإن كان صعباً لكنه النهاية الطبيعية في نهاية الصراع.
معاً على الطريق – مصطفى المقداد