أوجعت سورية المعتدين عليها في جميع الجبهات والاستحقاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية والدستورية، وخاض الشعب السوري معركة الحفاظ على كيان دولته ومؤسساتها إلى جانب الجيش العربي السوري، الذي قدم التضحيات الكبيرة لحماية البلاد ودحر المعتدين ولا يزال.
من المعلوم أن الحرب الإرهابية على سورية اختلفت من حيث الهدف والشكل عن جميع الحروب الأخرى، وسميت الحرب الكونية على سورية بسبب العدد الكبير من التنظيمات الإرهابية التي دُفعت من قبل رعاة الإرهاب، الذين اتسعت دائرتهم لتشمل 93 دولة.
إن هدف الحرب لم ينحصر في تغيير الحكومة السورية أو احتلال الدولة، بل أُريدَ من سورية أن تكون منطلقاً لإعادة تشكيل المنطقة وفق الرؤية الأميركية_الصهيونية، التي تقضي بتفتيت دولها وتقسيمها وفقاً للتكوينات الاجتماعية والدينية والعرقية، وتحويلها في نهاية المطاف إلى كيانات متصارعة يحركها كيان الاحتلال الإسرائيلي بما يضمن مصالح الولايات المتحدة والدول الغربية، وخاصة ذات الإرث الاستعماري.
من الوهلة الأولى للحرب استهدفت مؤسسات الدولة في سورية من أكبرها إلى أصغرها، واجتمعت جميع صنوف الحروب “العسكرية والإعلامية والنفسية والدعائية”..الخ لهدم هذه المؤسسات، وكانت هذه الحرب تشتد وتستعر في كل استحقاق دستوري سواء في انتخابات الإدارة المحلية ومجلس الشعب والرئاسية، وليس أدل على ذلك من ظهور زعيم أكبر دولة في العالم لتناول أي استحقاق دستوري في سورية، واعتباره غير شرعي وغير مقبولٍ من المجتمع الدولي (!!!).
لقد أدرك الشعب السوري أن المستهدف الأول من هذه الحرب هو الوطن “أرضاً وشعباً ومؤسسات”، وتصرّفَ في مواجهة هذا العدوان الخارجي والإرهابي على هذا الأساس، وفي كل مفصل دستوري وسياسي وطني كان الرد الشعبي السوري حاسماً للحفاظ على الوطن وتعزيز مؤسساته التي تحولت إلى هدف يومي لرعاة الإرهاب لإدراكهم أهمية إلغائها والتشكيك بمشروعيتها في تحقيق أهدافهم العدوانية.
في الانتخابات السابقة (الرئاسية والتشريعية والمحلية) خلال هذه الحرب أفشل الشعب السوري بمشاركته الواسعة في هذه الاستحقاقات الوطنية، ورفضه الواسع التدخل في تحديد خياراته والإملاء عليه، محاولات أعدائه النيل من شرعية هذه الانتخابات وذهبت كل الرؤوس الحامية في الولايات المتحدة والدول الغربية وأدواتها في المنطقة، وبقيت المؤسسات السورية شامخة تمارس دورها الوطني في حماية سيادة الوطن واستقلاله.
الشعب السوري اليوم أمام استحقاق انتخابي تشريعي جديد في وقت لا يقل خطورة عن سابقاته، ويخطئ من يعتقد أن خفوت أصوات الكبار من رعاة الإرهاب وعدم تناولها هذه الانتخابات كما كانت تفعل سابقاً، يعني أن المؤسسات الدستورية السورية لم تعد هدفاً لهم.
لقد عملت الدول المعادية وفي مقدمتها الدول الغربية والولايات المتحدة على استهداف الانتخابات التشريعية قبل الإعلان عنها، عبر فرضها المزيد من العقوبات الاقتصادية والإجراءات القسرية التي تنال من حياة السوريين، أملاً منها بتغيير قناعاتهم وأخذهم إلى تحقيق نواياها القديمة الجديدة، ولكن كما أفشل السوريون سابقاً خطط أعدائهم في هذا السياق، سيفشلونها مجدداً بإقبالهم على صناديق الاقتراع والإدلاء بأصواتهم، تعزيزاً للمؤسسات الوطنية أولاً، وتعميقاً للتجربة الديمقراطية ثانياً، وإيصال ممثليهم الذين يحملون قضاياهم وتوجهاتهم المستقبلية إلى قبة مجلس الشعب.
تقاس حيوية الشعوب وحضارتها بمدى استجابتها إلى الأحداث المفصلية والأساسية والقضايا الوطنية، والشعب السوري الذي واجه العدوان الإرهابي والخارجي بكل مستوياته، وقدم التضحيات الكبيرة في سبيل عزة الوطن، سيتجاوز الأمور الثانوية حول الأداء المتفاوت في السلطتين التشريعية والتنفيذية، ويكون على مستوى الدفاع عن سيادة الوطن وتعزيز مناعته بوجه التدخلات الخارجية.
معاً على الطريق- أحمد ضوا