ثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
“ثقافتان آسيويتان قديمتان، وشريكان في قطاعات التجارة والاقتصاد والسياسة والثقافة والأمن، مع اتفاق في وجهات النظر، بالإضافة إلى العديد من المصالح الثنائية وإيجاد شركاء استراتيجيين آخرين”، كانت هذه الخطوط العريضة لافتتاحية الاتفاقية المؤلفة من 18 صفحة والتي أكدت على صفقة بمليارات الدولارات بين الصين وإيران ،والتي تتحدى بشكل صارخ العقوبات الأمريكية المفروضة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، تمثّل الاتفاقية التي أبرمتها إيران والصين مؤخراً شراكة اقتصادية وأمنية من شأنها أن تسمح للصين بالاستثمار في البنوك الإيرانية والاتصالات والموانئ والسكك الحديدية ،وعشرات المشاريع الأخرى، ممّا يقوّض جهود إدارة ترامب لعزل الحكومة الإيرانية بسبب طموحاتها ” النووية والعسكرية “، كما تدّعي.
إن الصين وإيران شريكان استراتيجيان منذ فترة طويلة، وهما تعززان الآن استراتيجياتهما على المسرح الدولي للوقوف في وجه الأحادية الأمريكية. وكان قد سبق للبلدين أن اتفقا بالفعل على شراكة استراتيجية في عام 2016، لكنّ الاتفاقية الأخيرة تسمح للاقتصاد الإيراني بأن يكون له ما يشبه الحياة الطبيعية مع موجة كبيرة من الاستثمارات التي تشتد الحاجة إليها في ظل العقوبات الأمريكية المفروضة.
وحسب ما جاء في صحيفة نيويورك تايمز تشمل العلاقات العسكرية “تدريبات وتمارين مشتركة وبحثاً مشتركاً وتطوير أسلحة وتبادل معلومات استخباراتية” لمحاربة “الإرهاب وتهريب المخدرات والبشر والجرائم عبر الحدود”.
لا شك أنّ الاتفاقية بين البلدين هي فعلياُ بمثابة “ضربة قوية لسياسة إدارة ترامب العدوانية تجاه إيران”، ففي الوقت الذي تعتزم فيه الولايات المتحدة منع صادرات الخام الإيرانية بالكامل لحرمان البلاد من الأموال الأجنبية، تضمن الاتفاقية توريد النفط الإيراني للصين على مدى السنوات الخمس والعشرين القادمة، الأمر الذي يشكّل فائدة كبيرة لكلا البلدين بلا شك.
كما تمثل الصفقة فوزاً كبيراً لمبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقتها الصين لإحياء طريق الحرير القديم، وتهدف إلى ربطها بالعالم عبر الاستثمار في البنى التحتية على طول طريق الحرير الذي يربطها بالقارة الأوروبية، ليكون أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية.
ويشمل ذلك بناء مرافئ وطرقات وسكك حديدية ومناطق صناعية ومشاريع للطاقة، وبناءً عليه ستؤدي الاستثمارات الإيرانية الجديدة الرئيسية في النقل والسكك الحديدية والموانئ والطاقة والصناعة والتجارة والخدمات إلى تحسين شبكة الصين في المنطقة. إذ تعتبر إيران نقطة التقاء بين جنوب آسيا وآسيا الوسطى والقوقاز والشرق الأوسط، ما يجعلها واحدة من أهم الدول لتحقيق مبادرة الحزام والطريق الصينية. فالاتفاقية تؤمن توريد النفط والغاز إلى الصين بطريق بري مّا يوفر خياراً آخر بعيداً عن الممرات المائية في جنوب شرق آسيا، خصوصاً في الوقت الذي تتزايد فيه الأعمال العدائية الأمريكية ضد الصين في بحر الصين الجنوبي.
كما ستشهد الصفقة استثمارات صينية بقيمة 400 مليار دولار في البنية التحتية لإيران، بما في ذلك تحسينات في صناعة النفط وبناء خط سكة حديد بطول 900 كيلومتر بين طهران ومشهد ثاني المدن الإيرانية، ومركز الحج بالقرب من الحدود مع أفغانستان وتركمانستان، وهذا الخط لن يربط بين مدينتين من أهم المدن الإيرانية فحسب، بل سيكون مدخلاً على آسيا الوسطى، وسيتيح لكل من الصين وإيران الوصول بشكل أكبر إلى أوراسيا.
وقد ناقش زيبيغنيو بريجينسكي في كتابه ” رقعة الشطرنج الكبرى”، فكرة أن آسيا الوسطى كانت مركز القوة العالمية، وأنه من الضروري ألا تنشأ أي قوة يمكنها أن تتحدى هيمنة الولايات المتحدة في المنطقة، وإذا حدث شيء من هذا القبيل، فإن القوة العالمية للولايات المتحدة ستضعف وتتقلص، وهو يشير بذلك بشكل غير مباشر إلى روسيا والصين.
وقد ناقش هالفورد جون ماكيندر عام 1904في كتابه “المحور الجغرافي للتاريخ” نظرية ” قلب العالم أو Heartland” . وتعتبر هذه النظرية أن التاريخ السياسي هو صراع مستمر للسيطرة على العالم بين القوى القارية والقوى البحرية، وإذا تمكنت قوة برية من السيطرة على العالم فهي ستهزم القوى البحرية.
من المؤكد أن إيران هي بوابة رئيسية إلى آسيا الوسطى، ويظهر استثمار الصين الضخم في الجمهورية الإسلامية أنها تسعى لأن تلعب دوراً فعالاً في المنطقة. فوفقاً لنظرية بريجنسكي وماكيندر، لا شك أن الصين هي المؤثر الرئيسي في آسيا الوسطى وهي تسعى لأن تكون قوة فعّالة في المنطقة والعالم بأكمله ،وهي تتعاون مع روسيا، والتي هي قوة رئيسية أخرى ذات نفوذ كبير في آسيا الوسطى، للحد من نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة والتي لاتمتلك الكثير لما يمكن فعله لوقف ذلك.
وفي ردّها على أسئلة حول مسودة الاتفاقية كتبت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية: “
ستواصل الولايات المتحدة فرض عقوبات على الشركات الصينية التي تساعد إيران “متهمة الحكومة الصينية بأنها تسعى بهذه الاتفاقية إلى تقويض هدفها المعلن المتمثل في تعزيز “الاستقرار والسلام”.
يبدو واضحاً أن الولايات المتحدة ستعاقب الشركات الصينية التي تتعامل مع إيران، ولكن الصين كانت تتوقع ذلك. والسؤال المهم الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف ستخطط بكين للتعامل مع مثل هذه العقوبات التي يمكن أن تكشف عن تدهور العلاقات المتوترة بالفعل مع الولايات المتحدة؟.
وبالتأكيد فإن الصين مستعدة لمثل هذا السيناريو، وعلى الرغم من بعض الكلمات والتصريحات القاسية من قبل وزارة الخارجية الأمريكية، فمن غير المرجح أن تتمكن واشنطن من الرد على هذه الصفقة الهائلة التي ستمنح الاقتصاد والعملة الإيرانية المحاصرة شريان حياة رئيسي. كما ستشجع الاتفاقية الدول الأخرى التي تشعر بالقلق من العقوبات الأمريكية على بدء التعامل مع إيران مرة أخرى، وبالتأكيد سوف تحصل أيضاً على دعم الصين وتأييدها.
المصدر American Herald Tribune