ثورة أون لاين – عبد الحميد غانم:
يشكّل إقدام محركي البحث “غوغل” و”آبل” الأميركيين على حذف دولة فلسطين من خرائطهما المعتمدة، جريمة سياسية واعتداء تقنياً وثقافيّاً وعلميّاً خطيراً يشوّه الحقائق، ويطمس هوية بلد وشعب عربي له تاريخه وحضارته العريقة، التي ارتبطت بتاريخ المنطقة وجغرافيتها وبالحضارة الإنسانيّة العالميّة، ويعتدي على الهوية والحقوق الفلسطينية، التي تصونها القرارات والشرائع الدولية، وتحميها المواثيق والكتب، وتعترف بها أغلبية دول العالم، أي 137 دولة عضو في الأمم المتحدة.
الخطوة أججت المشاعر الإنسانيّة الدوليّة، ولاقت إدانة واسعة وحملة مضادّة لأنها خطوة مجحفة بحق فلسطين وشعبها وحقوقها، وستتواصل في كلّ الساحات الفلسطينية والعربية والعالمية، ومهما حاولت هذه الجهات وغيرها، لن تستطيع أن تمحو فلسطين من ذاكرة أهلها وذاكرة أمتها العربية وذاكرة العالم، واسم فلسطين سيبقى محفوراً وملصقاً على كلّ الخرائط والكتب والأطالس والمخطوطات الورقيّة والمدوّنات الالكترونية.
إنّ ما قام به محركا البحث الأميركيان يعدّ انحيازاً واضحاً وسافراً للكيان الصهيوني وحليفته الولايات المتحدة الأميركية، ومخططهما الذي يسعى إلى طمس هوية الشعب الفلسطيني وإلغاء قضيته العادلة وحقوقه لاسيما حق العودة، الذي تقرّه كلّ القرارات الدولية من خلال ما سُمي بـ” صفقة القرن”، ويمهّد الطريق لشرّعنة الكيان الصهيوني في المنطقة، والقضاء على الحقوق الفلسطينية جميعها، وإزالة دولة فلسطين ليس من الخرائط فقط بل من الوجود، وإخفائها من الذاكرة، وإحلال الكيان الصهيوني كدولة للأجيال.
لا شكّ أن قرار محركي البحث الأميركيين جاء بضغط من اللوبي الصهيوني الذي يتحكّم بمالية القوى الأميركيّة الإعلاميّة ووسائل التواصل الاجتماعي، واستجابة لأطماع المخططات الصهيونية التي تستغل القدرات الأميركية التكنولوجية والهيمنة المالية والإعلامية الصهيونية لطمس الهوية والحقوق الفلسطينية على أيّ صعيد ثقافي أو سياسي أو إعلامي أو جغرافي أو تاريخي أو اجتماعي أو اقتصادي، بهدف تمكين الكيان الصهيوني من ترسيخ دعائم وجوده، وإحلال نفسه على الأرض العربية، وإلغاء فلسطين من الذاكرة التكنولوجية العالمية، كخطوة أولى على طريق محاولة محوها من الذاكرة الثقافيّة العالميّة.
القرار التقني لمحركي البحث الأميركيين يتناقض مع النظام العلمي والغايات الثقافيّة لمحركات البحث العالميّة ودورها الثقافي في نشر العلم والمعرفة دون تشويه، وباعتبارها مصادر معلومات بحثية وعلمية محكمة تُعين الباحثين والعلماء والمفكرين للوصول إلى النتائج العلميّة الصحيحة عبر تقديم الحقائق الثقافيّة والجغرافيّة والتاريخيّة والسياسيّة.