ثورة أون لاين – ليندا سكوتي:
يبدو أن البيت الأبيض قد عقد العزم على خوض حرب على الصين بأسلوب آخر بعيدا عن الحرب الساخنة وأكثر ميلا للحرب الباردة، الأمر الذي يعطي مؤشرا عما يعتريه من يأس وإحباط، لذلك نجده يسعى إلى صرف أنظار جمهور الناخبين عن افتقار الإدارة الأميركية للقدرة على القيادة سواء في الداخل أم في الخارج من خلال استهداف دولة ما انفك الرئيس الحالي يعلن معاداته لها منذ ثمانينيات القرن الماضي، ومن الواضح أن ذلك التوجه لا يبشر بالخير.
عندما تتوجه حكومة نحو إغلاق سفارة دولة أخرى أو قنصليتها فهذا دليل على تصاعد التوترات الثنائية إلى أعلى مستوى. وفي هذا السياق تشير الأوامر التي وجهتها وزارة الخارجية الأميركية في يوم الثلاثاء (المتعلقة بإغلاق القنصلية الصينية في كل من هيوستن وتكساس والطلب من الدبلوماسيين مغادرة البلاد في غضون 72 ساعة لكونهم أشخاصا غير مرغوب بهم) إلى بلوغ الخلافات بين الجانبين مستويات قياسية.
تتذرع وزارة الخارجية الأميركية بأن السبب الكامن وراء الأوامر بإغلاق القنصلية الصينية يعود إلى الانتهاكات الصينية المتكررة للسيادة الأميركية بما فيها “عمليات التجسس غير القانوني وفرض النفوذ”. لكن في واقع الأمر فإن إجراء وزارة الخارجية يؤكد أن السبب هو قرب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستعقد في شهر تشرين الثاني ولاسيما في ضوء عدم تحلي الرئيس ترامب بأي سمات إيجابية، ما حدا به إلى الانحطاط لمستوى متدن وشن حملة عداء أميركية مضاعفة لشيطنة الصين التي لم تتوان بالرد على تصرف الولايات المتحدة الاستفزازي إذ عمدت إلى إغلاق القنصلية الأميركية في تشنغدو يوم الجمعة الفائت.
لم يقتصر أمل الرئيس الأميركي على كسب الحرب التجارية القذرة التي شنها من جانب واحد ضد الصين ودول أخرى فحسب، بل تحدوه الرغبة بجني ثمار الازدهار الاقتصادي الأميركي الذي حققه سلفه باراك أوباما. لكن ما كشفته جائحة كوفيد-19 من عجز البيت الأبيض في معالجته هذه الأزمة ومجابهتها قد ألحق الهزيمة بترامب وأكد افتقار الإدارة الأميركية لمؤهلات القيادة.
في الحين الذي عمدت به الولايات المتحدة إلى الهجوم على الصين من جراء تفشي فيروس كورونا في ووهان، حيث جرى اكتشاف الإصابة الأولى بفيروس كورونا المستجد والذي لم يعرف بعد العامل الممرض له، نجد أن إدارتها قد استغرقت شهرين كاملين في إنكارها لهذا المرض مدعية أنه لن يؤثر على الولايات المتحدة. لكن ما أضاف الملح على جرحها ما كشفته الصين ودول أخرى من خلال تجربتها المريرة التي تؤكد افتقار القيادة الأميركية الكفاءة على احتواء الفيروس.
لا ريب أن الرئيس دونالد ترامب يرغب في جعل “أميركا أولا”، لكنه لم يتبع الأسلوب الصحيح. إذ يعد ارتباك البيت الأبيض في التعاطي مع الأزمة الحالية سببا في تزايد الحالات والوفيات –التي بلغت ما ينوف عن 3.8 مليون حالة.
تحاول الإدارة الأميركية جاهدة صرف الأنظار عن استجابتها الخجولة على هذه الجائحة لذلك وجدت ضالتها بشيطنة الصين. وعلى سبيل المثال، أرسلت لجنة مجلس الشيوخ الجمهورية القومية قبل ثلاثة أشهر مذكرة تتألف من 57 صفحة إلى الحملات الانتخابية موجهة النصح للمرشحين الجمهوريين بالتصدي للأزمة الصحية العامة من خلال مهاجمة الصين. وجاء في المذكرة “لا تدافعوا عن ترامب بل دافعوا عن حظر السفر إلى الصين وهاجموا هذا البلد”. وشددت أيضا على إبراز ثلاث نقاط رئيسة في المهاجمة: أن الصين هي من تسبب بنشر هذا الفيروس(إثر تكتمها عليه)، وأن الديمقراطيين تعاملوا مع الصين بلين، وأن الجمهوريين سيفرضون عقوبات على الصين نظرا لدورها في نشر هذا الوباء”.
في هذا السياق، نجد أن الرئيس ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو ومستشار التجارة في البيت الأبيض بيتر نافاروا والجمهوريين الآخرين جميعهم قد سلكوا ذات السبيل. إذ عمدوا إلى استخدام تعابير عنصرية على غرار “فيروس ووهان”، و”الفيروس الصيني” و”انفلونزا كونغ” في الإشارة إلى فيروس كورونا المستجد وكوفيد-19، ما أدى إلى موجة من الأحداث العنصرية ضد الأسيويين، وبخاصة الأميركيين الصينيين، وحدت بالعديد منهم إلى اقتناء السلاح لأول مرة تحسبا لمخاطر قد يتعرضون لها.
قادت حملة “كراهية الصين” التي شنها البيت الأبيض إلى قيام مركز بيو للأبحاث بإجراء استطلاع للرأي يتعلق بتصنيف المواطنين الأميركيين للصين الذي تبين منه تراجع مكانتها، كما أظهرت دراسة أجراها مركز يوغوف أواخر الشهر المنصرم أن الأميركيين أصبحوا أكثر عداء للصين منذ تفشي الوباء في الولايات المتحدة.
وربما ما سيحدث في قادمات الأيام سيكون أشد خطورة. إذ قد يتبادل الطرفان الاتهامات. وعلى الرغم من الحديث عن “فخ ثيوسيديدز” (بمعنى تراجع القوة المهيمنة وصعود قوة منافسة لها ما يقود إلى حرب واسعة) فلنا وطيد الأمر بعدم حدوث ذلك.ونافلة القول:تحتاج الصين والولايات المتحدة إلى سيناريو مفعم بالأمل والتفاؤل للتغلب على التوترات الحاصلة وتحقيق التقدم والمضي إلى الأمام.
China Daily