ثورة أون لاين – ترجمة ليندا سكوتي:
تتخذ العلاقات الصينية الأميركية منعطفاً نحو الأسوأ، الأمر الذي دفع بالعديد من المحللين السياسيين إلى القول باحتمال انفصام العرى في الروابط بين أكبر اقتصادين على مستوى العالم.
ونتساءل في هذا المقام عن إمكانية “الانفصال” بسهولة بين اقتصادين مترابطين ترابطاً وثيقاً كالصين والولايات المتحدة؟ وما هي تداعيات التوترات الصينية –الأميركية المتصاعدة على التعافي الاقتصادي العالمي، ولا سيما في ضوء عدم التمكن من احتواء فيروس كورونا عالمياً؟.
منذ نشأة العلاقات الدبلوماسية قبل 41 عاماً، عمدت الصين والولايات المتحدة إلى إقامة روابط وثيقة نجم عنها تداخل في مصالحهما، ولذلك فمن الصعوبة بمكان فصلهما في المجالين الاقتصادي والتجاري.
في خضم ذلك، سعت الولايات المتحدة إلى توجيه ضربة قاصمة للعلاقات الثنائية عندما قامت بإغلاق القنصلية الصينية في هيوستن، بولاية تكساس، ما اضطر بكين للرد بالمثل والطلب من واشنطن إغلاق قنصليتها في شينغدو، بمقاطعة سيتشوان.
وعلاوة على ما ذكر، أدلى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بخطاب لاذع في مكتبة نيكسون بولاية كاليفورنيا، يمكن النظر إليه على أنه إعلان “حرب باردة” جديدة، ما يسرع في “الانفصال” بين البلدين. بيد أنه خلافاً لما يفصح عنه البيت الأبيض فإن أي “فك للارتباط” في المجالين التجاري والاقتصادي سيفضي إلى خسائر جسيمة تتكبدها الولايات المتحدة.
أولاً: سيؤدي الانفصال عن بكين إلى تحمل كبرى الشركات الأميركية خسائر جمّة، إذ أشارت الإحصاءات إلى أن ثلث أو أكثر من عائدات المبيعات لأكبر خمس شركات في الولايات المتحدة عام 2017 جاءت من الصين. ويصعب على تلك الشركات إيجاد سوق كبيرة مثل الصين في ضوء تأثير جائحة كوفيد -19 الذي ضرب الاقتصاد العالمي.
ثانياً: ستواجه أيضاً العديد من الشركات الأميركية الصغيرة نسبياً كثيراً من الصعوبات نظراً لاعتمادها منذ فترة طويلة على المكونات والقطع التي توفرها الصين وليس لها بدائل أخرى. وقد أضرت التعريفات الأميركية الجمركية الجديدة المفروضة على البضائع الصينية بالشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم، في حين فشلت تلك التعريفات في إعادة توفير فرص العمل إلى الولايات المتحدة كما يدعي البيت الأبيض.
وذكرت صحيفة ذي واشنطن بوست في مقال نشرته مؤخراً أنه ليس ثمة ما يمنع دخول الشركات الأميركية السوق الصينية سواء أكان كوفيد-19 أم التوترات السياسية. وفي الواقع، شهدنا إطلاق شركة إكسون موبايل مشروعاً كيميائياً في هويتشو بمقاطعة قوانغدونغ تقدر استثماراته بحوالي 10 مليارات دولار نظراً للسوق الصينية الهائلة.
علاوة على ذلك، قال اقتصاديون أميركيون إن الاقتصاد الصيني سيكون الاقتصاد الأكبر في العالم لكونه سيسجل نمواً في الناتج المحلي الإجمالي عام 2020، وأن إيرادات المجموعات المتوسطة والمتوسطة العليا ستواصل ارتفاعها في العقد المقبل. كما ذكرت بعض وسائل الإعلام الأميركية أنه في حال انسحاب الشركات الأميركية من السوق الصينية فإنها ستفقد كثيراً من الفرص التجارية.
منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية في عام 1979، ساهم استمرار التطور في العلاقات الصينية-الأميركية بالحفاظ على السلام العالمي وضخ الديناميكية في التنمية الاقتصادية العالمية. بينما اقترن الركود الاقتصادي العالمي الذي يحوق بالعالم منذ الكساد الكبير من جراء جائحة كوفيد-19 بالتدهور في العلاقات الصينية-الأميركية الذي سيكون له تأثيره الضار على الاقتصاد العالمي وفرص العمل.
سيشعر العالم أجمع بالخلافات التجارية الصينية – الأميركية لكون بكين المُصدر الأكبر في العالم ولكون واشنطن المستورد الأكبر.
إذا تأسست السلسلة الاقتصادية العالمية الشاملة والمتطورة بسبب تنامي العلاقات الصينية-الأميركية، وفي حال جرى خلل في تلك السلسلة أو كسرها فستنعكس تلك التأثيرات على العديد من الشركات التجارية والأشخاص في سائر أرجاء العالم عموماً.
وفي حال مارس السياسيون الأميركيون الضغوط للانفصال الاقتصادي عن الصين في محاولة لكسب المزيد من الأصوات لمرشحي الرئاسة، فقد يفضي ذلك التصرف إلى صدع في المنظومة الصناعية العالمية ما يقود إلى اضطراب في السوق المالية والدولية ويعرض التجارة العالمية والتطور الاقتصادي للخطر.
وفي هذا السياق، لا يتعارض التدخل الصناعي في اقتصاد السوق وانتهاك معايير المنافسة مع العولمة الاقتصادية فحسب، بل يفضي إلى مشكلات وتحديات خطيرة سيكون لها تداعياتها على النظام الاقتصادي الدولي ما يعرقل التعافي الاقتصادي العالمي حتى بعد احتواء الوباء.
والجدير بالذكر أن الخلافات المتزايدة بين الصين والولايات المتحدة ستدفع ببعض الدول إلى الانحياز لإحدى الطرفين ما يفضي إلى تزايد الانقسامات السياسية في العالم.
بتقديرنا، يجب على الجانبين العمل على إعادة بناء الثقة المتبادلة وتجديد التعاون بغية الحفاظ على التعافي الاقتصادي، فالعداء بين بكين وواشنطن لن يقود إلا إلى الإضرار بالعلاقات الدولية والاقتصاد العالمي والمجتمع الدولي.
China Daily