الملحق الثقافي:إعداد: رشا سلوم:
تمر هذه الأيام ذكرى إعدام الشاعر الأندلسي لوركا، الذي قال ذات يوم: “دم أجدادي العرب الذين وجدوا كل شيء وضيعوه، يجري في عروقي”. الشاعر الإنسان الذي رفض الظلم والعدوان، وغنى الإنسانية كلها، أعدم بطريقة مازالت تثير ألف تساؤل، وربما أشبع الحديث عن حياته، واستمر التركيز على ما وصف به نيويورك، ورحلته إليها، وقد اصدر عنها ديوان شعر بعنوان: “شاعر في نيويورك”، كتبه أثناء وجوده في جامعة كولومبيا في نيويورك في الفترة من عام 1929 حتى عام 1930، ثم خلال سفره إلى كوبا بعد ذلك.
وقد نُشر هذا الديوان لأوّل مرّة عام 1940، أى بعد وفاة الشاعر بأربعة أعوام. وقد صدر بالعربية وقام بترجمته ماهر البطوطي عن الهيئة المصرية للكتاب. وتمكن المترجم ماهر البطوطي من تقديم ترجمة حية نقلت المناخات الشعرية التي رسمها لوركا في قصيدته من دون تصرف أو تزويق.
غادر لوركا إسبانيا في عام 1929 لإلقاء بعض المحاضرات في كوبا ونيويورك. ولعل سبب هذه الرّحلة هو ذريعةً لتغيير الجو والهروب من الظلم المحيط به. وقد أصيب لوركا في هذا الوقت بكآبة شديدة بسبب فشله العاطفي وشعوره بحزن عميق. عاش في نيويورك في الفترة من 25 يونيو 1929 إلى 4 آذار 1930، ثم غادر إلى كوبا وأقام بها قرابة الثلاثة أشهر.
وقد كان للمجتمع الأمريكي تأثير بليغ على الشاعر، الذي أحسّ منذ بداية وجوده فيه بنفور كبير من الرأسمالية والتصنيع في المجتمع الحديث، كما أنه شعر باشمئزاز بليغ من المعاملة التي كان يتلقاها السّود. لقد كان هذا الديوان صرخة مدويّة ضد الرّعب، للتنديد بالظلم والتفرقة العنصرية، ضد لاإنسانية المجتمع الحديث واغتراب الجنس البشري، والمناشدة ببعد إنسانى جديد تسود فيه الحرية والعدالة والحبّ والجمال.
ولذلك يعد هذا الديوان واحداً من أهمّ الأعمال الشعرية وأبرزها في تاريخ هذا الفن نظراً لفلسفته المتعالية. يعد هذا الديوان نقداً شعرياً مواكباً للتحولات الاقتصادية والاجتماعية بطريقة لم تشهدها البشرية من قبل، الأمر الذي يجعل هذا العمل انعكاساً تشاؤمياً عميقاً من وعصر التكنولوجيا الحديثة.
وهذه أبيات من قصيدته “شاعر في نيويورك”:
“في نيويورك
عودة من جولة
بين الصور التي تنحو صوب الثعبان
والصور التي تنشد البللور
قتلتني يد السماء،
فلسوف أطيل شعري
بصحبة الشجرة المبتورة التي لا تغني
والطفل ذي الوجه الأبيض البيضاوي.
بصحبة الحيوانات الصغيرة ذات الرأس المحطم
والمياه الرثة والأقدام الجافة.
بصحبة كل ما يغشاه التعب الأصم الأبكم
وفراشة قد غرقت في المحبرة.
أصطدم بوجهي الذي يتغير كل يوم.
قتلتني يد السماء.
عيناي هاتان في عام 1910
لم تريا دفن الموتى
ولا مهرجان الرماد للمنتجين في الفجر
ولا الفؤاد الراجف يقع كفرس البحر الصغير.
عيناي هاتان في عام 1910
رأتا الجدار الأبيض حيث قبول الصغيرات،
خطم الثور، عش الغراب المسموم
وقمرًا لا يفهمه أحد
يسطع من كل الأركان،
شذرات من الليمون الجاف
تحت سواد القنينات الجامد.
عيناي هاتان
قد وقعتا على عنق الفرس
على الصدر المخترق لسانتا روزا النائمة
على أسطح الحب
تضطرم بالأنين وبالأيدي النضرة
في بستان تلتهم فيه القطط الضفادع.
..
هناك… عيناي الصغيرتان.
لا تسألني شيئاً.
لقد رأيت أن الأشياء حين تنشد مسارها
لا تلاقي إلا الفراغ.
ثمة آلام من الفراغات التي لا يقطنها أحد.
وفي عيني
ثمة مخلوقات دونما عمري.
نمط السود وفردوسهم
إنهم يبغضون ظل الطائر
على مد الوجنة البيضاء
وصراع النور والرياح
في غرفة الثلوج الباردة.
إنهم يبغضون السهم الذي لا جسم له
منديل الوداع الذي لا يخلف موعداً
الإبرة التي تواصل ضخ الحمرة
في خفر الابتسامة الندية كالحشائش
ولكنهم يحبون الزرقة المهجورة
والتعبيرات المترددة الثيرانية
وقمر القطبين الكاذب
ورقصة المياه المتثنية على الشاطئ.
التاريخ: الثلاثاء18-8-2020
رقم العدد :1009