الملحق الثقافي: عقبة زيدان:
مر التفكير بأربعة مراحل؛ أولها التفكير الأسطوري، وثانيها التفكير الديني، وثالثها التفكير الفلسفي، وأخيراً التفكير العلمي، الذي يرى بعض العلماء أنه قضى على الفلسفة نهائياً، وأعلن موت الفلسفة.
في كتابه «التصميم العظيم»، يرى ستيفن هوكينغ أن قبضة العلم الفولاذية هي التي يجب أن تسود، لأن من يجلس خلف الكومبيوتر أهم من الذي يفكّر ويكتب في الصحف ولا يعيره أحد اهتماماً. فالعلوم تقوم على ثوابت رئيسية، ويجهل الفلاسفة الحديثون علم الرياضيات، ولا يعلمون أن الفلاسفة الأوائل كانوا رياضيين.
عن قصد وتصميم، يضيّق ستيفن هوكينغ الخناق على فلاسفة الحاضر، ويتهمهم بالقصور في الرؤية وفي اللحاق بالعلوم. إلا أن هوكينغ نفسه لا يدرك أن الفلسفة ليست محصورة في الفهم الرياضي فقط، بل إن الفلسفة في إحدى تعريفاتها هي «فهم الواقع ومحاولة تغييره»، وهذا الواقع يحتاج إلى فلاسفة أخلاقيين وبنيويين وتفكيكيين وليس إلى رياضيين.
يخفق هوكينغ تماماً في الإجهاز على الفلسفة، ويصبح متهماً بجفاف المشاعر، على عكس أستاذه العبقري آينشتاين، الذي ينظر إلى الكون نظرة شاعرية، وليس نظرة رياضية جافة.
لم تمت الفلسفة، ولن تموت، حتى وإن كانت هناك مراحل كمون في الإنتاج الفلسفي نفسه. فالفلسفة هي وعي للكون، وعي للحياة ولطبيعة البشر، وبالتالي دفاع عن الوجود والقيمة الإنسانية. إن الفلسفة هي التي أشارت إلى التوحش العلمي – الذي يعتز به هوكينغ – وهي التي صرخت بوجه الآلة الضخمة التي حولت البشر إلى أشياء. العلم هو الذي صنع القنبلة النووية، التي صهرت الحجر والبشر، والفلسفة هي التي أدانت ونددت بالجريمة والمجرم معاً. العلم هو الذي يصنع الموت التي يجتاح العالم في كل ثانية، والفلسفة هي التي تعلي من شأن الحياة ومن قيمة الروح الإنساني.
Okbazeidan@yahoo.com
التاريخ: الثلاثاء18-8-2020
رقم العدد :1009