الثورة أون لاين – غصون سليمان:
دراسات وأبحاث عديدة تناولت فيها أهمية مظاهر النمو النفسي والجسدي والاجتماعي للطفل وما يطرأ عليها من تغيرات منذ بداية تكوين الطفل، لأن العادات والاتجاهات وأنماط السلوك لدى الفرد تتكون في السنوات الأولى من عمره، وهي التي تقرر إلى حد كبير قدرته على التكيف مع الظروف الحياتية التي سيواجهها خلال تفاعله مع المحيط أم لا.
وفي هذا الإطار يشير الدكتور آذار عبد اللطيف أمين سر الجمعية السورية للمعوقين جسدياً كمتطوع في كتابه (المرجع في تدريب وتعليم المعوقين سمعياً في المدارس العادية) كيف أن بعض الدراسات التي أجريت على بعض المراهقين والراشدين تظهر أن المشكلات النفسية التي يعاني منها هؤلاء لم تكن طارئة، بل هي مشكلات ذات علاقة وطيدة ووثيقة بمرحلة طفولتهم، ما يؤكد أهمية رعاية الطفل في مرحلة الطفولة، وهذه الرعاية مسؤولية كبيرة مشتركة تقع على عاتق كل من الأسرة والمجتمع بكافة مؤسساته.
ويرى عبد اللطيف أن من أهم مظاهر النمو التي يتوقف عليها كعملية فيزيولوجية هما عاملا النضج والتعلم. والنضج هو النمو الباطني الذي يشترك فيه الفرد مع النوع الذي ينتمي إليه بحكم العوامل الوراثية التي تميزه عن الآخر، وهنا يحدث النضج بمعزل عن التعلم الذي يحصل نتيجة للتدريب والجهد الذي يقوم به الفرد. حيث تتوقف عملية النمو على العلاقة الوثيقة بين هاتين العمليتين “النضج والتعلم” إذ إن النضج يمد الفرد بالمواد الخام التي تخضع للتعديل وذلك بفضل عملية التعلم والتعليم الخاضع لها، والتي تعتبر بمثابة القالب الذي تصب فيه المواد الخام التي تمده بها عملية النضج.
وإذا ما أدركنا أن الفرد يتأثر بشكل عميق بالقيم والمفاهيم الاجتماعية السائدة، والنماذج السلوكية التي يقرها المجتمع حسب رأي الدكتور عبد اللطيف فإننا ندرك كمجتمع أهمية عملية التعلم في النمو النفسي للطفل، فالطفل هنا يكتسب النماذج السلوكية ثم يتبناها، نتيجة التطبع الاجتماعي في البيت والمدرسة والوسط الاجتماعي المحيط، إضافة إلى أن القيم التي يتأثر بها الطفل تسهم في تكوين شخصيته وأسلوب سلوكه ونظرته للحياة.
كما تعتبر المؤثرات البيئية غير الصالحة حجر عثرة أمام نمو الطفل على كل صعيد وخاصة على الصعيد النفسي، وتحول بالمقابل دون تطوير الخصائص الموروثة إلى حدها الأقصى، فنضج الجهاز العصبي، الحركي، أمر اساسي لا بد من حدوثه قبل أن يتمكن الطفل من أن يسلك سلوكاً معيناً، ولكن هذا وحده غير كاف لظهور هذا النوع من السلوك،
ويشر عبد اللطيف بمثال أنه يمكن للطفل السوي وهو في السنة الثانية أو الثالثة “ضمن بيئة سوية” أن يستخدم الجمل القصيرة في كلامه، فيما لو أن جهازه العصبي الحركي قد بلغ مرحلة معينة من النضج، وإذا ما حرم الطفل من هذه الخبرات اللغوية لسبب ما، فإن استخدام الجمل القصيرة في التعبير عما يريد، يغدو أمراً مستحيلاً، وبالتالي يمكن القول بأن الطفل الأصم لا يستطيع الكلام لأنه غير قادر على سماعه وتقليده.
ويؤكد عبد اللطيف أن معرفتنا بحقائق النمو النفسي تمكننا من وضع معايير نقيس من خلالها أنماط النمو المختلفة. وبما أن الأطفال يخضعون بشكل عام للاتجاه الواحد من النمو بحكم التكوين الوراثي النوعي، فإنه يمكن ولدرجة معقولة إدراك ما سوف ينجزه الطفل أولاً والفرد ثانياً في عمر معين.
مع ملاحظة أن قدرة الوالدين على معرفة ما هو متوقع حدوثه من طفليهما يجعلهما على دراية ، بأنه من غير المناسب ان يتوقعا منه ما يفوق قدراته مقارنة مع أقرانه، وفي حال كان الأمر كذلك فإنهما يعرضانه للفشل ويعرضان نفسيهما لخيبة الأمل، والنتيجة عدم تمتع الطفل بالثقة بالنفس والدقة في أعماله والعكس صحيح.