الثورة:
أكد رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، باولو سيرجيو بينيرو، أن الخطوات التي اتُخذت مؤخراً ضمن مسار العدالة الانتقالية، مثل تأسيس الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية والهيئة الوطنية للمفقودين، تشكل تطوراً مهماً يمكن أن يسهم في الكشف عن مصير أكثر من 100 ألف مفقود ومختفٍ قسرياً، إلى جانب توثيق انتهاكات واسعة ارتُكبت على مدى العقود الماضية، وأسفرت عن مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين.
جاءت تصريحات بينيرو خلال مداخلة شفهية قدّمها أمام الدورة التاسعة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، حيث اعتبر أن هذه المبادرات تعكس التزام السلطات السورية المؤقتة بتحقيق الإنصاف للضحايا والناجين، رغم ما وصفه بأنها “مهمة بالغة الصعوبة” تواجه أي حكومة في مرحلة ما بعد النزاع.
وفي معرض حديثه عن التحديات، أشار بينيرو إلى خطورة استمرار نشاط الجماعات المسلحة، مشدداً على ضرورة تسريحها ودمج عناصرها في جيش وطني موحد، ولفت إلى أن غياب الأطر القضائية والأمنية الواضحة يفتح الباب أمام انتهاكات خطيرة.
وشدد بينيرو على مسؤولية الدولة في حماية دور العبادة والمجتمعات الدينية، مستشهداً بالهجوم الذي استهدف كنيسة للروم الأرثوذكس في دمشق مؤخراً، وأكد أن العدالة الحقيقية لا تكتمل من دون محاسبة جميع المسؤولين عن الانتهاكات، سواء في صفوف النظام أو المعارضة.
وتناول بينيرو في كلمته تأثير التدخلات الخارجية على مسار الأزمة، مبدياً قلقه من التصعيد الإسرائيلي الأخير، حيث استهدفت غارات تل أبيب العاصمة دمشق ومحيط القصر الرئاسي، بالإضافة إلى مواقع عسكرية في محافظات درعا، حماة، طرطوس، واللاذقية، واعتبر أن هذه الهجمات تنطوي على مخاطر جسيمة لانتهاك القانون الدولي، وتعرقل مسار الاستقرار في البلاد.
وفي الجانب الإنساني، أشار بينيرو إلى أن أكثر من مليوني سوري عادوا إلى مناطقهم منذ كانون الأول الماضي، من بينهم نحو 600 ألف لاجئ من الخارج، و1.5 مليون نازح داخلي. لكنه حذّر من أن أكثر من 7 ملايين نازح لا يزالون يواجهون مشكلات حقيقية تتعلق بفقدان ممتلكاتهم بسبب المصادرة أو التدمير.
وأوضح أن سوريا تمر بمرحلة سياسية دقيقة، في وقت بلغت فيه الاحتياجات الإنسانية مستويات غير مسبوقة، إذ يحتاج أكثر من 16.5 مليون شخص إلى مساعدات، من بينهم 3 ملايين يعانون من انعدام حاد في الأمن الغذائي، رغم بعض المؤشرات الإيجابية المتعلقة بتخفيف العقوبات والانفتاح المحدود أمام الاستثمار الخارجي.
وختم بينيرو مداخلته بالتأكيد على أن التزامات الحكومة السورية بحماية الحقوق والحريات يجب أن تقابل بدعم دولي ملموس، مشدداً على أن تحقيق العدالة والمساءلة يبقى الركيزة الأساسية لأي عملية تحول ديمقراطي حقيقي، يمكن أن تفضي إلى سوريا آمنة وعادلة لجميع مواطنيها.