الثورة أون لاين- بقلم أمين التحرير- ناصر منذر:
جرائم الحرب التي ارتكبها رعاة الإرهاب في سورية أكثر من أن تعدّ أو تحصى، وهذه الجرائم طالت إلى جانب المجازر الجماعيّة بحقّ المدنيين، عمليات التدمير الممنهجة للبنى التحتيّة، من معامل، ومؤسسات، وجسور، وشبكات طرقيّة، ومحطّات كهرباء، ومياه، وغيرها، إضافة إلى سرقة الثروات، وحرق المحاصيل الزراعيّة المترافقة مع تشديد العقوبات والحصار، وإلى ما هنالك من جرائم متعدّدة، لتأتي الجرائم المرتكبة بحقّ تاريخ الشّعب السّوريّ، وحضارته عبر تخريب تراثه الثقافيّ، لتكشف أحد أبرز الأهداف العدوانيّة للحرب الإرهابيّة على سورية، وهو محاولة طمس هوّيتها الثقافيّة والتراثيّة العريقة، وتدمير معالم حضارتها الممتدة لآلاف السنين، لحساب المشروع الصهيوني في سورية والمنطقة بكاملها.
اللصّ أردوغان رأس الحربة في تنفيذ هذا المشروع، لم يتوانَ عن امتطاء سرج الإرهاب لاستكمال المهمّة الموكلة إليه صهيونيّاً وأميركيّاً، وأحد جوانب عدوانه على الأراضي السوريّة، إضافة لأطماعه التوسعيّة، هو سرقة ونهب كنوز السوريين التاريخيّة، وما يقوم به مرتزقته من إرهابيي ” النصرة” اليوم بأعمال حفر وتنقيب في موقع “تل غنام” الأثري في منطقة جسر الشغور بريف إدلب، بقصد تدمير هذا الموقع وسرقة اللقى الأثريّة منه، هو امتداد لعمليات التخريب والتدمير الممنهج للمعالم التاريخيّة التي سبق ونفّذها إرهابيوه في عفرين ومحيطها (تل برج عبدالو، وتل عين دارة، وتل جنديرس، وموقع النبي هوري)، وأيضاً ما جرى في مدينة تدمر على أيدي تنظيم داعش، وكلّ التماثيل والمنحوتات النادرة التي تعود إلى الألف الأول قبل الميلاد، وتقدّر بعشرات آلاف القطع، التي تمّ نقلها إلى تركيا تحت إشراف استخبارات نظام أردوغان، وكلّ ذلك بهدف العبث بالمشهد الحضاري لسورية لمحاولة تزوير التاريخ، بما يتوافق مع ما تروّجه الصهيونيّة العالميّة من حقوق تاريخيّة مزعومة، وبالتالي محاولة تغيير الهويّة الحضاريّة التاريخيّة لسورية، والمنطقة بأسرها.
من المعروف أنّ الآثار التاريخيّة تختزل حضارة وثقافة أيّ شعب، فكيف الحال إذن للحضارة السوريّة العريقة التي تعتبر ذاكرة أجيال متعاقبة تمتد لآلاف السنين، ألا يعتبر الاعتداء عليها، اعتداءً موصوفاً على تاريخ شعوب بثقافاتها المتعدّدة؟، هذا ما يفعله اللصّ أردوغان ومرتزقته الإرهابيون اليوم، خدمة للمشروع الصهيوني، ويستقدم لهذا الغرض خبراء تنقيب آثار أتراك وأميركيين وفرنسيين، ويزوّدهم بأحدث الآلات والمعدّات اللازمة لاستخراج اللقى الأثريّة ونهبها، قبل العمل على تدمير المواقع الأثريّة وتشويه معالمها التاريخيّة.
المستهجن أنّه رغم الاتفاقات والقوانين الدوليّة، وتلك الصادرة عن مجلس الأمن التي تعتبر أنّ أيّ اعتداء متعمّد على المواقع التراثيّة يعدّ جرائم حرب، إلا أننا نجد مجلس الأمن لا يحرّك أيّ ساكن تجاه هذه الاعتداءات الممنهجة، تماماً كما يفعل إزاء العديد من الشكاوى التي تتقدّم بها الدولة السوريّة حول دعم الإرهاب، والعدوان، والاحتلال، وتدمير ونهب الثروات الوطنيّة للسوريين، ما يعني أنّ أميركا ومعها الدول الأوروبيّة التي تهيمن على قرارات المجلس وغيره من المنظّمات الأمميّة، هي شريكة حتى النخاع بكلّ جرائم الحرب التي يرتكبها النظام التركي، وكلّ التنظيمات الإرهابيّة بحقّ التاريخ السوري، وهذا مؤشّر آخر على حجم الاستهداف الغربيّ، ومدى شراسة الحرب الإرهابيّة المسعورة التي تتعرّض لها سورية وشعبها، ولكن مهما تمادى الغزاة ومرتزقتهم بجرائمهم، فمصيرهم الاندحار والزوال، وستبقى سورية مهد الحضارات، وبوابة التاريخ.