الثورة أون لاين _رنا بدري سلوم:
لم تخرج التقاطات الدكتور إحسان فؤاد عباس من عباءة الأقدمين وقشرتهم، وهم الأساس والمعول عليه، بل بنى عليها أفكاره الجديدة وهو مبلغ من الأصالة العلمية التي لا بد من أن يتصف بها أي بحث علمي، وإن المؤلف نظر بنظرة ثاقبة إلى بعض المسائل وكأنه يستحضر بعض قوانين الصرف بأنها ليست شديدة المتانة فالتقط بنظره هذه الجملة من الملاحظات سماها “التقاطات صرفية ” توزعت على المماثلة الصوتية للبنية المتعلقة بالقلب وجعل ميدانها في القرآن الكريم والشعر ثم التقط من التوليد والاشتقاق في البنى الصرفية (فاعل، مفاعلة، فعالة) ودرس الجذر اللغوي درساً صرفياً مقارناً، وختم التقاطاته هذه بدرس وصفيّ تحليليّ لكتاب (التصريف) لابن مالك.
يبلغ حجم كتاب “التقاطاتٌ صرفيةٌ” مئة وخمس صفحات خلواً من الخاتمة والمقدمة التي تشارك في كتابتها الدكتور طارق الجباني، والدكتور صباح عطيوي، طباعة “تموز ديموزي” للطباعة والنشر والتوزيع، يقسم الكتاب إلى أربعة عشر فصلاً صدّرها المؤلف بعنوان (فصل) دون بيان محتوى كل فصل فجعل عنوان الفصل الأول “المجرد والمزيد” الذي اتخذه عنواناً عاماً وأدخل فيه الموضوعات الصرفية الأخرى بأنها آليات تعين على بيان المجرد والمزيد فجعل التصغير والنسب بين طيات مباحث الإعلال والإبدال جرياً مع التغييرات الصوتية التي تحدث فيهما، أما المنهج الداخلي لكتاب” التقاطات صرفية” بقلم مؤلفه إذ لكل كتاب قواعد تأتلف فيما بينها لتكون المتن وما فيه من معالجات صرفية ضمن المدونة العربية لتكون بسمتيّن، الأولى منهج يضع العلوم متداخلة فيما بينها إقراراً منه بالتكامل فلا فاصل بين مستوياتها اللغوية أمام المتعلمين ومثاله الكتاب فإن ما وقع في الكتاب من تقديم للنحو على الصرف لا يعني أن “سيبويه” يؤمن باستقلالية كل منهما دون احتياج أحدهما للآخر، وإنما العكس هو الصحيح فإن وجود مباحثه النحوية جنباً إلى جنب مع مباحث الصرف في كتاب واحد دليل واضح على اعتقاده بأهمية الترابط بين العلمين، أما السمة الأخرى منهجٌ يفصل بين المستويات، ويجعل الواحد منها علماً مستقلاً بنفسه لا تتداخلُ معه المستويات الأخرى من حيث التأليف والتبويب والطرح ومنها كتاب التصريف الملوكي للمازني الذي اختص بأبواب التصريف دون النحو من “الزيادة والبدل والحذف والتغيير في الحركة والسكون والإدغام ” وكتاب التصريف هذا من الصنف الآخر فهو كتاب موضوع في علم الصرف لأهل صنعته لا للمبتدئين بأدلة تبرهن ذلك بوشاجة وهي العبارة، المصطلح، القواعد الصرفية ومضمونها والتمثيل الذي يعد دليل القاعدة في المتن ويكون على أنواع هي القرآن الكريم أو الحديث النبوي أو كلام العرب شعراً ونثراً ولم يتوخَّ ابن مالك في كتابه (التصريف) نوعاً منها في جل الكتاب بل كان تمثيله بالكلمات المفردة المضبوطة بالشكل فقط دون تدوينها، وهي أعجمية المعنى.
طرح الباحث والمؤلف الدكتور إحسان فؤاد عباس في كتابه آراء المتقدمين والمحدثين التي تميل إلى العموم والإطلاق وراح يناقش كل حالة على حالها فعرّفنا بالتفسّخ المغني في العربية في الدلالة الشائعة أو في المجاز أو في التحويلات الصوتية، فمما لا شك فيه أن معرفة علم التصريف والتفقه فيه غاية كل متعلم لأنه ميزان العربية وبه تعرف الأصول، فكما قال ابن جني إن علم التصريف أشرف علوم اللغة وأنفسها.