الثورة أون لاين – رشا سلوم:
منذ أن تحوّل النقد إلى النص وعمل مبضعه على جراحات غير تلك التي تتناول سيرة الكاتب، كان لا بدّ من التعويض عن ذلك بهوامش أخرى كثيرة تأخذ من الكاتب بعضاً من ذاته.
من هنا كان الالتفات إلى ما أسماه النقد العتبات النصية، أي تلك التي تمهّد للنص مثل الإهداءات التي يكتبها المؤلف أو تلك الاقتباسات التي يقدمها قبل نصه.
هذه العتبات تحمل دلالات مهمة لم يكن النقاد يقفون عندها لكنهم اليوم تحولوا إليها.
قد نسأل لماذا التحوّل إليها، هل تطفح وتشي بما لا يقدّمه النص.
هل يمكن لإهداء يضعه الكاتب أول كتابه ويوجهه علناً لشخص ما، هل له أن يقودنا إلى مسارب أخرى في النص؟.
قد يكون ذلك ممكناً فهو يحمل شحنة من الطاقة التي تحفّزنا على الحفر في مكان آخر للوصول إلى النص وتحليله وقراءة جمالياته.
الدكتور مرشد احمد قدّم دراسة مهمة في هذا اللون من النقد من خلال كتابه الذي حمل عنوان “جماليات التعتيب النصي في شعر الحداثة” صدر الكتاب عن الهيئة العامة السورية للكتاب بدمشق.
وفي تعريفه العتبات النصية يقول: “هي جزء من نظام معرفي قائم بذاته له خصائصه التمييزية وأبعاده الجماليّة يكسب النص الشعري قيمة إبداعيّة تسهل نقل مقاصده وتعمق أدبيته وتوسع جماليات تلقيه على مستوى التداول القرائي” .
وخطاب العتبات النصية يتكوّن من مجموعة نصوص معرفية تحيط بالنص الشعري هي : اسم الشاعر.العنوان.الامارة التجنيسية.كلمة الناشر.الإهداء .المقدمة ..التصدير.الاستهلال. العناوين الداخلية ..
ولها مسمّيات عدة مثل ..النص الموازي .الخطاب الموازي.المصاحبات النصية .المتعاليات النصية.الموازيات النصية ..اما التسمية الأكثر تداولاً فهي العتبات النصية
وقد اختار الباحث كما يقول تسمية التعتيب النصي وهي جديدة لم ترد في مدونة النقد العربي الحديث الناهض على مقاربة العتبات النصية، وهي الوليد الشرعي لمسمى العتبات النصية، ولكن بزيادة جلية عنه، فملفوظ التعتيب على وزن التفعيل مصدر فعل بتضعيف العين .
أي بمعنى نشّط الشيء وقوّاه وجعله فاعلاً، فتفعيل الأمر يدل على وصف شيء بزيادة على غيره بهدف إعطائه دوراً فاعلاً وحضوراً متميّزاً خاصاً به .
ويخلص إلى القول بعد دراسة الإهداءات والعناوين،
أن تلك العتبات النصية امتلكت حيزاً واسعاً من الإرادة والقصدية لأن تصييغ بيّناتها النصية تجلى بمظهر الفاعلية الإنجازية الدالة على الوعي التخييلي الذي يرفض أيّ حضور لتجليات الاعتباطية والمجانية، فبناؤها النصي تم بنظام صياغي يمتاز بالحيوية والحركية المتعددة الأبعاد.
بقي أن نشير أن الكتاب يقع في ١٩٠ صفحة من القطع الكبير، والدكتور مرشد أحمد من مواليد حلب عمل في الصحافة والتدريس الجامعي.
له أكثر من ١٣ كتاباً في الدراسات الأدبية منها.
تنويعات سردية في الرواية العربية الحديثة، جماليات البنية الشكلية في النص الشعري.