الثورة أون لاين – ترجمة ختام أحمد:
المحور الجيوسياسي أو “الجزيرة العالمية” هذه التسمية أطلقها هوبز حسب نظريته العالمية على منطقة بلاد الشام أو سورية الطبيعية كما هو متعارف عليها قديماً، ومن الواضح اليوم أن أي تحقيق للاستقرار أو زعزعته في هذه المنطقة “جزيرة العالم” التي تصل بين (إفريقيا وأوروبا وأوراسيا) يمكنه أن يؤثر على العالم كله، وكما قال ماكيندر ذات مرة من يسيطر على”جزيرة العالم”، يتحكم في العالم. فإن الدور الذي تلعبه هذه المنطقة باعتبارها “لؤلؤة على طريق الحرير الجديد”، وتقاطع جميع الحضارات الكبرى في العالم، قد شكل اعتبارات السياسة العالمية في واشنطن ولندن على مدى السنوات العديدة الماضية.
لا يمكن فصل الحدث المدمر الذي وقع في لبنان ” تفجير ميناء بيروت ” عن الذي يحصل في سورية والعراق وإيران ودول عربية أخرى منذ سنوات، فكارثة لبنان مؤخراً وقبلها بسنوات ما جرى في كل من سورية والعراق من أحداث دموية وإيران التي وجدت نفسها هدفا لسلسلة شريرة من الهجمات حيث تم إطلاق العنان للحرائق والانفجارات مع بداية انفجار 26 حزيران في مجمع إنتاج الصواريخ في خوجير، وانفجار 30 حزيران في عيادة طبية أسفر عن مقتل 19 شخصا، وانفجار 2 تموز في منشأة نطنز النووية الذي أعاد الجدول الزمني لإنتاج أجهزة الطرد المركزي في إيران لأشهر، وحرائق 15 حزيران في مصنع بوشهر للألمنيوم، فإذا تم أخذ أي من هذه الأحداث بشكل فردي، هل نستطيع أن نقول: إن كل هذه الأحداث التي تجري في المنطقة هي”محض صدفة “.. أعتقد لا.
عندما نجمع هذه الأحداث جميعها ونربطها معًا على المستوى الجيوسياسي نلاحظ أنها تقع على طريق الحرير أو ما يسمى مبادرة “الحزام والطريق” التي يجري إبرامها حاليًا بين كل من الصين وروسيا مع إيران، من هنا يحصل المرء على فكرة قوية عن العلاقة السببية الأعمق الكامنة وراء حالات الفوضى غير المنفصلة في المنطقة. الآن إذا أمكن ترسيخ المثلث الصيني – الروسي – الإيراني، فلن تتفكك سياسة نظام العقوبات الأمريكية فحسب، بل سيتم إنشاء منصة حيوية لتنمية الشرق الأوسط لقيادة نمو النقل وممرات التنمية المتقدمة بشكل أفضل من الصين إلى البحر المتوسط (وأفريقيا) على طول طريق الحرير الجديد.
منذ تشرين الثاني 2018، تقدمت السكة الحديدية بين إيران والعراق وسورية خطوات كبيرة نحو التنفيذ كجزء من إعادة اعمار الشرق الأوسط التي تمولها إيران وربطها في نهاية المطاف بميناء اللاذقية السوري كمحور على البحر الأبيض المتوسط، وخط سكة حديد شلمجة – البصرة بطول 32 كم في مرحلة متقدمة للتنمية، وزير الطرق والتنمية العمرانية الإيراني عباس أحمد قال: “نظام السكك الحديدية في إيران مرتبط بخطوط سكك حديدية في آسيا الوسطى والصين وروسيا، وإذا تم بناء خط سكة حديد شلمجة – البصرة بطول 32 كم ، يمكن للعراق نقل البضائع والركاب إلى روسيا والصين والعكس.” في حين أن خط السكك الحديدية بطول 32 كم سيكون المرحلة الأولى، فمن المقرر أن تكون المرحلة الثانية عبارة عن سكة حديد بطول 1545 كم وطريق سريع إلى الموانئ السورية.
تعد المشاركة الإقليمية لإيران والعراق وسورية في طريق الحرير الجديد الأوسع نطاقاً مهمة بشكل لا يصدق، لاسيما منذ أن وقع العراق مذكرة تفاهم في أيلول 2019 للانضمام إلى مبادرة ” الحزام والطريق”.
في إطار برنامج جديد للبنية التحتية مقابل النفط، تتضمن هذه الخطة إعادة بناء الصين للمنطقة التي مزقتها الحرب في إطار برنامج متعدد المراحل للبنية التحتية الصلبة (السكك الحديدية والطرق ومشاريع الطاقة والمياه) والبنية التحتية غير المادية (المستشفيات والمدارس والمراكز الثقافية).
وبالمثل، أعلنت الصين عزمها على جلب برامج إعادة الإعمار الحقيقية إلى سورية، كما أن استراتيجية البحار الأربعة التي طال انتظارها والتي أعلن عنها الرئيس السوري بشار الأسد لأول مرة في عام 2004 (وتمت عرقلتها مع ما يسمى الربيع العربي) عادت أخيرًا إلى العمل.
فقد فاز هذا المشروع بموافقة سبع دول للتوقيع عليه بحلول عام 2010 واستلزم ربط جميع أنظمة المياه الرئيسية الأربعة (البحر الأبيض المتوسط، بحر قزوين، البحر الأسود، والخليج) معًا عبر ممرات السكك الحديدية والبنية التحتية كدافع للتعاون المربح للجانبين والتعاون الإقليمي.
وقال الرئيس الأسد عن المشروع في عام 2009 : “بمجرد أن نربط هذه البحار الأربعة، أصبحنا نقطة التقاطع التي لا مفر منها للعالم بأسره في الاستثمار والنقل وغير ذلك”.
ومن هنا نعرف لماذا كل هذه الفوضى الذي قادها تحالف الناتو أحادي القطب، وهو على وشك الانهيار ضد التحالف متعدد الأقطاب بقيادة طريق الحرير الجديد من جهة أخرى.
Strategic Culture
