الثورة أون لاين-منهل إبراهيم:
في تجاوز لكل اللغة الدبلوماسية المعتادة وصف وزير خارجية النظام التركي مولود جاويش أوغلو رئيس النظام الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه شخص “جن جنونه”، وهو تصريح عكس عمق الخلاف بين النظامين في خضم أزمة مشتعلة في شرق البحر المتوسط.
التصريحات التي أطلقها جاويش أوغلو ظهرت وكأنها رد فعل مباشر من جانب النظام التركي على الخطوات والتوجهات الإقليمية الفرنسية خلال الآونة الأخيرة، التي بدت كلها مناهضة لتركيا وسياساتها في المنطقة.. وبدت كما لو أنها في سياق لعبة لكسر العظام بين النظامين الفرنسي والتركي.
الفاعلية الفرنسية ظهرت على 4 مستويات رئيسية، في كل واحدة منها ثمة ما هو متباين مع التوجهات التركية، فقد مارست فرنسا كل طاقتها الذاتية لوقف إطلاق النار في ليبيا، وهو ما نجحت فيه باريس، وظهر فائز السراج الحليف الاستراتيجي للنظام التركي وكأنه وافق على المساعي الأوربية من دون موافقة كاملة من تركيا.
كذلك فإن فرنسا أظهرت أعلى درجات التضامن مع اليونان في التوتر الحديث الذي نشب بينها وبين تركيا، في ملف حقوق التنقيب عن الغاز بمنطقة شرق المتوسط، حتى إنها ضغطت لإحداث موقف أوروبي يهدد تركيا بفرض العقوبات، ما لم تتجاوب مع التحذيرات اليونانية الأوربية.
لكن الحساسية التركية وصلت لذروتها بعد التصريحات التي أطلقها ماكرون أثناء زيارته لبغداد والتي أعلن فيها عن رفض فرنسا التدخلات الخارجية في الشؤون والأراضي العراقية، معتبرا أن العراق دولة ذات سيادة، وهي تصريحات قال المراقبون إنها تقصد العمليات العسكرية التركية في العراق بحجة محاربة حزب العمال الكردستاني.
مجمل تلك الملفات، ومستويات التباين بين مواقف الطرفين، يُستدل منها على أنه ثمة ما يشبه الصراع الصفري بين الطرفين، سيشكل واحدا من أهم ديناميكيات التوازنات في المنطقة خلال الفترة المنظورة، وربما تكون دافعا لمزيد من الاستقطاب الإقليمي، التي لن تكون لصالح النظام التركي بعمومها، فالمتضامنون مع الموقف التركي لم يتجاوزوا الحلفاء التقليديين لها، كمشيخة قطر .
فرنسا ترى في مجمل التحركات التركية، سواء في مواجهة اليونان أو عبر تسعير الحرب الليبية، تقصد خلق مناطق نفوذ لابتزاز الاتحاد الأوربي مستقبلا خصوصا ماليا، وأن المواجهة الأكثر فاعلية لكبح ذلك هو ردم المحاولات التركية في مهدها وعدم السماح لها بالتحول إلى حالات مستعصية ودائمة.
وفي تصعيد جديد للهجة الخطاب بين اليونان ونظام اردوغان على خلفية النزاع شرقي المتوسط، قال وزير التنمية اليوناني أدونيس جورجياديس إن بلاده “لا تخشى الدخول في مواجهة مع تركيا”، مشيرا إلى أردوغان “يعيش في عالم من الأوهام”.
وذكر جورجياديس، اليوم الأحد، في تصريحات نشرتها وسائل إعلام يونانية، أن أردوغان “يعيش الأوهام ويسعى لإحياء الإمبراطورية العثمانية”.
وأكد الوزير أن اليونان “قادرة على التصدي لأطماع أردوغان”، مشددا على أن أثينا اتخذت استعداداتها لأي مواجهة، وتابع: “لا نخاف تركيا ولن نرضخ للتهديدات”.
ويأتي تصريح الوزير اليوناني بالتزامن مع انطلاق مناورات عسكرية تركية شمال جزيرة قبرص، في أحدث حلقات التوتر بين تركيا واليونان، البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي، المستمر منذ أشهر.
وكان أردوغان وجه تهديدا شديد اللهجة إلى اليونان، السبت.
وقال “سيدركون أن تركيا تملك القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية لتمزيق الخرائط والوثائق المجحفة التي تفرض عليها”، في إشارة إلى المناطق المتنازع عليها بين تركيا واليونان.
وهناك خلافات بشأن السيادة على المنطقة الاقتصادية الخالصة في بحري إيجة والمتوسط، وحقوق التنقيب فيهما، خاصة مع التقارير التي تتحدث عن غنى هذه المنطقة بالموارد مثل الغاز والنفط.
وأثارت عمليات التنقيب التركية في شرقي المتوسط غضب اليونان وقبرص، لكونها، كما تقولان، تقع في المياه التابعة لهما.
ونقلت اليونان ملف التوتر في شرقي البحر المتوسط إلى مجلس الأمن الدولي، وقال وزير خارجيتها نيكوس دندياس، إنها ستقدم إحاطة إلى مجلس الأمن الدولي بشأن أنشطة تركيا الخارجة عن القانون.