الثورة أون لاين – فؤاد الوادي
يتجدد الحديث عن العلاقات السورية – الروسية الراسخة والمتينة مع الزيارة المهمة التي قام بها وفد روسي رفيع المستوى إلى سورية لإجراء مباحثات مع المسؤولين السوريين حول تطوير التعاون الثنائي وتعزيزه في مختلف المجالات، وخاصة الاقتصادية، في رسالة واضحة من الحليف الروسي إلى كل أطراف الإرهاب والعدوان على سورية، بأن موسكو لن تتخلى عن الشعب السوري وستواصل وقوفها إلى جانبه كما وقفت معه طيلة سنوات الحرب، خاصة في ظروف الحصار والعقوبات أحادية الجانب التي فرضتها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي على الشعب السوري ودولته، وكأن الزيارة تهدف فعلياً إلى كسر الحصار عن الشعب السوري، وهذا ما عبر عنه صراحة الوفد الروسي، سواء على لسان نائب رئيس مجلس الوزراء الروسي يوري بوريسوف رئيس الوفد، أو على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
التاريخ الطويل من العلاقات والتعاون والشراكة بين سورية وروسيا، عززه التحالف الاستراتيجي في محاربة الإرهاب والوقوف الثنائي في مواجهة المشروع الأميركي في سورية والمنطقة، في ضوء الاستراتيجية الأميركية المعلنة للسيطرة على المنطقة ونهب ثرواتها ونشر الخراب والفوضى فيها تحت مسميات وعناوين براقة وخادعة.
لقد برز التحالف الاستراتيجي بين سورية وروسيا لمحاربة الإرهاب كأهم تطور يعكس عمق العلاقات المتينة بين البلدين والشعبين خلال عقود طويلة من التعاون والتنسيق بينهما.
في الثلاثين من أيلول من العام 2015 سارعت روسيا لإرسال قوات عسكرية إلى الأراضي السورية بناء على طلب من الدولة السورية لدعم ومساندة الجيش العربي السوري في مواجهة التنظيمات الإرهابية المدعومة من قبل منظومة العدوان، وفي مقدمة تلك الدول الولايات المتحدة الأميركية ومعظم دول الاتحاد الأوروبي والكيان الصهيوني والنظام التركي وأنظمة الخليج.
وفي خندق واحد خاض الجيشان الروسي والسوري معارك بطولية ومصيرية مع منظومة الإرهاب برؤوسها وأطرافها بحيث امتزجت دماء شهداء جنود الجيش العربي السوري مع دماء رفاقهم في القوات المسلحة الروسية لتروي تراب سورية وتثمر آفاقاً جديدة من التعاون والتحالف والشراكة الاستراتيجية بمختلف المجالات والأصعدة.
العلاقات بين البلدين واصلت تميزها مع دخول موسكو رسمياً في الحرب على الإرهاب، وإنشاء مركز للقوات الروسية في ( قاعدة حميميم)، ومنذ اللحظة الأولى لدخول القوات الروسية إلى سورية أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الهدف من الوجود الشرعي لقواته في سورية هو دعم الجيش العربي السوري في محاربة التنظيمات الإرهابية، وكان للتعاون السوري – الروسي العسكري دور كبير وفاعل في حسم معارك كثيرة مع الإرهابيين والدول الداعمة لهم ، وإحداث تحولات نوعية في سير الحرب على الإرهاب لمصلحة الدولة السورية.
وقد بدأت أولى العمليات المشتركة بين الجيشين السوري والروسي في أواخر شهر أيلول من العام 2015 كما ذكرنا، حيث قام الطيران الروسي بالتنسيق مع الجيش العربي السوري بتنفيذ أولى ضرباته الجوية على أوكار إرهابيي تنظيم داعش في المنطقة الوسطى، لتطال الضربات أوكار داعش في الرستن وتلبيسة والزعفران والتلول الحمر وعيدون وديرفول ومحيط سلمية، وقد حققت الضربات إصابات مباشرة وأوقعت خسائر كبيرة في صفوف الإرهابيين، وبعد ذلك التاريخ تكثفت العمليات العسكرية الروسية لمساندة ودعم الجيش العربي السوري في حربه على الإرهاب، حيث تتالت العمليات العسكرية المشتركة على مختلف الجبهات مع المجموعات الإرهابية، إلا أن أهمها كان في أواخر العام 2015 حيث دمر الطيران الحربي الروسي 86 موقعاً لإرهابيي داعش في أرياف حماة واللاذقية وإدلب والرقة وحمص والقنيطرة ودرعا.
وفي كانون الثاني 2016، أثمر التعاون السوري- الروسي الميداني عن تطهير بلدتي سلمى وربيعة في محافظة اللاذقية من المجموعات الإرهابية، وبعد أيام قليلة استعادت وحدات من الجيش العربي السوري بدعم من الطيران الحربي الروسي بلدة الشيخ مسكين في محافظة درعا، ثم توالت الإنجازات والانتصارات المشتركة للجيشين السوري والروسي، إلا أن الإنجاز الكبير الذي كان ثمرة ذلك التعاون المشترك بين الجيش العربي السوري والقوات الروسية كان في أواخر العام 2016 عندما استطاع الجيش العربي السوري بدعم من الطيران الحربي الروسي تطهير وتحرير مدينة حلب من جميع التنظيمات الإرهابية التي كانت تحتل أحياء كثيرة فيها.
وفي آذار عام 2017 وفي خطوة كان لها أهميتها في تسريع انهيار “تنظيم داعش” والمجموعات الإرهابية المنتشرة في البادية السورية، أعلن مصدر عسكري سوري فرض السيطرة الكاملة على مثلث تدمر الاستراتيجي خلال العملية العسكرية الواسعة التي نفذتها وحدات من الجيش العربي السوري بالتعاون مع القوات الروسية والقوات الرديفة لاجتثاث التنظيم من الريف الشرقي لمدينة حمص.
الإنجازات الميدانية للتعاون المشترك بين دمشق وموسكو لم تتوقف عند هذا الحد بل تابعت طريقها نحو كل المناطق التي كانت تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية بدءا من مدن حمص والرقة ودرعا ودير الزور، والبوكمال وليس انتهاء بأرياف دمشق واللاذقية والقلمون، خصوصاً الغوطة الشرقية.
كما أثمر التحالف الاستراتيجي بين البلدين عن تزويد روسيا لدمشق بمنظومة صواريخ الـ إس 300 ، وهي منظومة حديثة للدفاع الجوي ساهمت كثيرا في منع محور العدوان والإرهاب على الأرض، من التفكير بالتدخل المباشر لدعم التنظيمات الإرهابية التي كانت تنهار تباعاً.
ولم يكن الدعم الروسي على الصعيد السياسي بأقل من العسكري فقد خاضت موسكو معارك شرسة جنباً إلى جنب مع دمشق في كل المنابر الدولية والأممية وخاصة منبر مجلس الأمن الذي شهد معارك سياسية طاحنة بين مندوبي روسيا وسورية من جهة، وبين مندوبي الدول الغربية وعلى رأسهم المندوب الأميركي والبريطاني والفرنسي من جهة ثانية، وخاصة عندما كان يتعلق الأمر بالضغط على سورية لتوقف حربها على الإرهاب وتخضع لشروط الدول الداعمة للإرهاب على الطاولة السياسية بما يحاكي الأطماع والطموحات والغايات الاحتلالية والاستعمارية لتلك الدول.
لقد تجسد الدعم والتعاون الروسي والسوري من خلال قيام روسيا إلى الجانب الأصدقاء في جمهورية الصين الشعبية بتعطيل عشرات مشاريع القرارات التي كانت تستهدف إضعاف الدولة السورية وتشويه صورتها والنيل من صمودها ودماء شهدائها وتضحيات أبنائها، وذلك عبر استخدام حق النقض (الفيتو)، مرات عديدة، ومايزال هذا الدعم السياسي مستمراً من خلال مسار آستانة الذي عوض غياب الدور الأممي عن جهود حل الأزمة في سورية، وقد لعب الوجود الروسي إلى جانب إيران دوراً مهما في كبح جماح النظام التركي “الضامن للجماعات الإرهابية” وإنتاج تسويات على الأرض أدت إلى اندحار الإرهابيين ونقلهم إلى محافظة إدلب، حيث مازالت الجهود السياسية الروسية منصبة على تأمين عودة إدلب إلى السيادة السورية مثلها مثل باقي المناطق، انطلاقا من التزام موسكو بوحدة وسيادة وسلامة الأراضي السورية