الثورة اون لاين – فؤاد الوادي:
وقفت الاستراتيجية الاميركية في نهاية الالفية الثانية شبه عاجزة أمام جملة من التحديات الكبيرة التي فرضت عليها، بعد نحو خمسة عقود من الحروب الكارثية خارج حدود الإمبراطورية العظمى رغم التوحش الذي كان سمة أساسية فيها، وكان لا بد لها من التحرك مجددا لاستثمار حالة الأحادية القطبية التي سادت العالم بعد تفكك الاتحاد السوفيتي.
كان العقل الأميركي غارقاً في البحث عن أشكال وأقنعة وذرائع جديدة لحروبه القادمة، ولاسيما أمام واقع صعب من كوابيس وأشباح كانت متكدسة داخل العقل الاميركي بسبب اخفاقات سابقة، ومن هذه الكوابيس مثلاً الانخفاض المتدحرج في مخزونات الطاقة الأساسية الطبيعية والصناعية في الولايات المتحدة، خاصة النفط والغاز، وبداية صعود قوى دولية وإقليمية اقتصاديا وعسكريا الى المسرح الدولي والإقليمي حيث كان هذا الامر من أشد ما يؤرق الولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل (قاعدتها المتقدمة في منطقة الشرق الأوسط ).
وضمن سياق اللهاث الأميركي لتبديد تلك الكوابيس والاستعداد لانطلاقة جديدة ترمم الفشل وتستعيد وهج القوة العسكرية المهيمنة، حدثت هجمات 11 أيلول في العام 2001 ، لتشكل ذريعة جديدة للولايات المتحدة للهجوم مجددا خارج حدودها للغزو والاحتلال والهيمنة، بعد أن وضعت نفسها في موقع الاستهداف من قبل أعداء وهميين كانت تحددهم وتصنعهم بحسب أهدافها وطموحاتها واستراتيجية غزوها للعالم.
إن المتابع للإعلام الأميركي والغربي، وإعلام أدوات أميركا في المنطقة فور وقوع الاعتداءات يلاحظ أنه كان موجها بشكل مكثف لإقناع وتشكيل رأي عام أميركي وعالمي بأن الولايات المتحدة كانت ضحية وفي موقع الدفاع عن النفس، من هنا كانت البداية وكان المنطلق لغزو الكثير من دول العالم، ولاسيما تلك التي يشكل احتلالها بداية لتحقيق مشروع الشرق الاوسط الجديد كأفغانستان بموقعها المتاخم لحدود روسيا والصين وإيران (خصوم الامس واليوم) والعراق بثرواته النفطية الهائلة.
كانت البداية من أفغانستان بذريعة هجمات أيلول التي تبناها أسامة بن لادن (صنيعة اميركا وحليفها النظام الوهابي في السعودية ) ثم العراق بذريعة مختلفة، لكن سرعان ما انكشف زيف الذريعة التي سوقتها الولايات المتحدة لاحتلال العراق، حيث اتضح أن هدف الحرب الحقيقي كان السيطرة على ثروات وخيرات الشعب العراقي بعد تقسيمه وضرب وحدته واستقراره ومحاصرة إيران وسورية اللتين تشكلان معضلة كبرى أمام المشروع الصهيوني الشريك للمشروع الأميركي، وليس التخلص من الأسلحة الكيماوية التي ادعت أميركا أن النظام العراقي كان يمتلكها والتي ثبت فيما بعد، أن العراق كان خاليا منها باعتراف مسؤولين أميركيين وعلى رأسهم كولن بأول وزير الخارجية الأميركي السابق حيث أكد ان كل اتهامات بلاده للعراق كانت مفبركة ومن اختراع دوائر الاستخبارات .
بعد فشلها المزدوج في أفغانستان حيث بقيت حركة طالبان الأفغانية عقدة للولايات المتحدة وفي العراق بعد تصاعد خسائرها العسكرية غيرت واشنطن من استراتيجيتها، من حروب تديرها بالاصالة الى حروب تديرها بالوكالة، ولجأت فيها الى نفس الأدوات والمرتزقة والأذرع التي شنت الحرب عليها في الظاهر، وهو الامر الذي دفعها الى صناعة منظومة إرهاب مختلفة تحاكي استراتيجيتها، وتصديرها الى كل الدول المصنفة اميركيا خطرا على المشاريع الاستعمارية الأميركية من أجل التخريب والعبث ونسف كل حوامل وركائز مؤسسات الدولة واستقرارها ووحدة أبنائها، ولاسيما الدول المقاومة والرافضة لكل المخططات والمشاريع الاستعمارية والصهيونية، وفي مقدمتها سورية.
وكما صنعت أميركا تنظيم القاعدة الارهابي لتدمير أفغانستان واستباحة أراضيه، صنعت تنظيم داعش الإرهابي الذي هو بطبيعة الحال فرع وجزء من تنظيم القاعدة، كما صنعت معه عشرات التنظيمات الإرهابية، ودفعت بهم الى المنطقة لتخريبها وتدميرها وتقسيمها وضرب وحدتها ونسيجها الاجتماعي، ومن ثم نهب خيراتها وثروتها، وهذا ما حصل فعلاً في كثير من دول المنطقة، وخاصة في سورية التي استطاعت بإرادة شعبها وشجاعة وبطولات وتضحيات جيشها العظيم أن تنتصر على الإرهاب وتفرمل المشروع الأميركي الذي مازال يلتقط أنفاسه بحثا عن فرص وذرائع جديدة.
ويكفي هنا ان نستذكر ما قالته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون في كتابها (خيارات صعبة)، لندرك كيف تبني الولايات المتحدة سياساتها واستراتيجياتها التخريبية والتدميرية من اجل أن تحافظ على موقعها كقوة عظمى تتحكم بمصير الشعوب، كلينتون قالت في كتابها (خيارات صعبة): ( إن بلادها هي من قامت بتأسيس تنظيم داعش لتقسيم دول المنطقة، حيث تم الاتفاق على إعلان التنظيم يوم 5/7/2013، للتدخل في مصر وليبيا وسورية ، وتم الاتفاق مع بعض الأصدقاء على الاعتراف به حال إعلانه فورا ).