الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
كان الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، ولقرون عديدة، مركز العالم، واليوم يتوقع العالم أن تشهد هذه المياه التاريخية نزاعاً جديداً قد يفضي إلى اندلاع حرب إقليمية، حيث يمكن أن تدخل تركيا واليونان في نزاع على الحدود وحقول الغاز والكرامة الوطنية والتحالفات.
فقد وجّهت كلاُ من اليونان وقبرص اتهامات إلى تركيا بانتهاك سيادتهما بالحفر في مياههما الإقليمية، وكانت تركيا قد أرسلت في 10 آب الماضي سفينة البحث “أوروك ريس” بمرافقة أسطول من السفن الحربية إلى المياه بين قبرص وجزر “كاستيلوريزو” و”كريت” اليونانيتين، وفي وقت لاحق اصطدمت فرقاطة تركية مرافقة للسفينة بسفينة تابعة للبحرية اليونانية.
ورغم انتهاء مهمة السفينة ” أوروك ريس”، التي تعترض عليها اليونان في مياهها، وتشكّل مصدراً للكثير من التوترات الحالية، فقد يقرّر الرئيس التركي رجب أردوغان تمديد مهمة السفينة لإجراء المزيد من المسح لموارد الطاقة، وقد يكون دخول السفينة المياه اليونانية قبالة كاتيلوريزو إشارة واضحة بأنه اختار الصراع العسكري على الدبلوماسية.
ومن الواضح أنّه لم يكن للجيش التركي مثل هذا الامتداد العالمي منذ قرون عدة، أي منذ زمن الإمبراطورية العثمانية، فهو الآن متورط في سورية والعراق وليبيا كما يبدو أنّ أردوغان يتطّلع إلى صراع قريب من حدود بلاده.
لقد حدّدت معاهدة لوزان في عام 1923 الحدود الحالية لتركيا، والأراضي التي فقدت في رسم خريطة الحدود أصبحت الآن محور السياسة الخارجية التركية، وهي تشمل مناطق اقتصادية حصرية تطالب بها تركيا وتتنازع عليها مع اليونان وقبرص.
وكان أردوغان قد هدّد في خطاب ألقاه مؤخراً بالقول : “سيفهمون أن تركيا لديها القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية لتمزيق الخرائط والوثائق غير الأخلاقية”.
كما قال مهددّاً اليونان: “إمّا سيفهمون لغة السياسة والدبلوماسية، أو سيواجهون تجارب مؤلمة في الميدان”، مضيفاً : “إنّ تركيا والشعب التركي مستعدون لكافة الاحتمالات ولكل العواقب”.
وفي محاولة ضعيفة منه للتوصل إلى حل وسط قال: “تركيا مستعدة لأي نوع من تقاسم عادل لموارد الطاقة”.
هذا وكانت القوات المسلحة التركية قد بدأت مناوراتها المشتركة السنوية والتي يطلق عليها اسم “عاصفة البحر الأبيض المتوسط” وتستمر خمسة أيام، مع شمال قبرص المحتلة، المعترف بها من قبل تركيا فقط.
إنّ حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان لم يفعل شيئاً لإثبات قيمة حرية الدين أو حقوق الإنسان وحقوق الأقليات في بلاده، ويتبع نهج الإخوان المسلمين، وهي جماعة إرهابية محظورة في عدة دول.
في الوقت نفسه التزم رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس بضبط النفس وقال رداً على أردوغان إنّ بلاده ستبدأ محادثات مع تركيا، وقد حدث هذا بعد أن أوقفت تركيا استفزازاتها لمدة شهر على الأقل.
كما قال وزير التنمية اليوناني أدونيس جورجاديس: “أعتقد أن أردوغان واهم جداً، إنّ الخروج والتهديد بالحروب وأنهار الدماء، يتجاوز حدود الدبلوماسية والسياسة “، وتابع: “لا شك في أن أردوغان يفكر في إحياء الإمبراطورية العثمانية وأيّ شخص يعتقد أن اليونان خائفة يرتكب خطأ كبيرا وفي الواقع إنّنا الآن أفضل استعداداً للحرب مما كان يعتقد الكثيرون، والأمور ليست بهذه البساطة بالنسبة لأردوغان لأن تركيا ليست قوة عظمى كبيرة كما يعتقد الكثير من الناس، إنها مجرّد دولة قوية، تحتاج إلى الاحترام، وهي جارة لنا إلى الأبد، لكننا لا نخاف منها، ولن نتخلى عن سيادتنا الوطنية، كما أنّنا لا نتراجع أمام التهديدات، ولا نتنازل عن ما هو لنا، ويجب على الأتراك أن يفهموا هذا جيداً حتى يكون لدينا مستقبل جيد وسلمي، ولكن إذا تمادت تركيا باستفزازاتها فإننا سنضطر آسفين للّجوء إلى طرق سيئة للغاية “.
وكانت تركيا قد وقّعت اتفاقية بحرية مثيرة للجدل وغير عادية مع حكومة السراج الليبية، وتنتظر اليونان معرفة ما إذا كانت تركيا ستبدأ في استكشاف المجالات التي وردت في الاتفاقية، والتي من شأنها أن تقرّب السفن التركية من جزر رودس وكاسوس وكارباثوس وكريت اليونانية، وفي حال حدوث ذلك، عندها قد يتم تكليف الجيش اليوناني بالرد.
ويواجه الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ احتمال توجيه ضربتين تجاريتين لحلفاء الناتو، وقد طلب من اليونان وتركيا بدء “محادثات فنية” لتهدئة الوضع.
ومن ناحية أخرى فقد حثّ أردوغان الاتحاد الأوروبي على اتخاذ موقف محايد في النزاع مع اليونان.
وكان رئيس الاتحاد الأوروبي تشارلز ميشيل، قد شدد على أهمية تخفيف حدة التوتر، وحث أنقرة على وقف أنشطتها في المنطقة، مستشهداً باجتماع المجلس الأوروبي المقبل المقرر عقده في 24-25 أيلول، والذي دعت فيه بعض الدول الأعضاء إلى فرض عقوبات على تركيا.
هذا وقد كانت تركيا قد سعت ومنذ عقود إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن تم رفضها لأسباب عديدة.
وقد قامت فرنسا بإرسال فرقاطات وطائرات مقاتلة إلى المنطقة لدعم اليونان، كما نشرت طائرات عسكرية إلى الجانب الخاضع للإدارة اليونانية من قبرص لإجراء مناورات مع اليونان وإيطاليا، وأوضحت أيضاً أنّها ستبيع طائرات ومعدات عسكرية لليونان ضمن صفقة أسلحة دفاعية.
كما دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تركيا إلى إنهاء التدريبات العسكرية في البحر المتوسط في محاولة لنزع فتيل التوترات، ومن المتوقع أن تلعب ميركل دوراً حاسماً في النزاع، حيث تعتمد الولايات المتحدة على ألمانيا للحفاظ على “السلام” في المنطقة، بينما تلتزم واشنطن الصمت.
وكانت مجموعة الطاقة الإيطالية متعددة الجنسيات ENI قد سحبت، عام 2018، سفينة البحث الخاصة بها ” Saipem” من مياه قبرص بعد أن تعرضت للتهديد من قبل تركيا.
وقال الرئيس التنفيذي لمجموعة ENI، كلاوديو دي سكالزي: “نحن قلقون، كما هو الحال دائمًا عندما نتحدث عن السفن الحربية، ومع ذلك فقد توصلنا إلى اتفاق مع قبرص وسوف نحترمه، إنّ شرق البحر الأبيض المتوسط هو منطقة ذات احتياطيات ضخمة من الطاقة، حيث يوجد 8-10 مليار متر مكعب من الغاز، و يعتبر شرق البحر الأبيض المتوسط منطقة مهمة جداً لأوروبا والعالم بأسره، وسنساهم في العمل للمضي قدماً بسلام، وبدون حروب “.
لكنّ الوضع تأزّم كثيراً بعد الاتفاق الذي جرى بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية المتمركزة في طرابلس واتفاقهما على سرقة الفضاء البحري اليوناني واقتسامه فيما بينهما.
وقد أوضح لابو بيستيلي رئيس العلاقات الدولية في مجموعة ENI ، أن شرق البحر الأبيض المتوسط هو “أحد أكثر المناطق الواعدة في العقد الماضي” حيث تشير التقديرات إلى أنه يضم 2٪ من احتياطيات الغاز في العالم.
وأخيراً، ففي الوقت الذي يجب فيه أن يتركّز التنافس على الوقود الأحفوري حول كيفية العيش بدونه، سيتعين على اليونان وتركيا إيجاد حل وسط، أو أنهما سيتجهان نحو خيار الحرب لا محالة.
المصدر The Duran