هل تجلب عمليات التطبيع الجارية السلام للفلسطينيين والمنطقة فعلاً؟، هذا السؤال يفرض نفسه بقوة في ظل الادعاءات والمزاعم التي يطلقها المهرولون لتبرير ما يقدمونه من تنازلات سياسية وأمنية واقتصادية للعدو الصهيوني تحت مسمى التطبيع، فالجميع يتحدث أن الهدف هو السلام والأمن والرخاء للمنطقة، وغير ذلك من الشعارات الخادعة لاستلاب العقول، فكيف يمكن للتطبيع مع كيان غاصب قائم على الاحتلال، ويمارس شتى أنواع الإرهاب العسكري والجسدي والنفسي والاقتصادي والسياسي بحق شعب أعزل أن يجلب السلام؟.
ما جرى في واشنطن، يشير بكل وضوح إلى أن الثنائي الإرهابي ترامب ونتياهو هما المستفيدان الوحيدان من حفل البازار التطبيعي، الذي كان بمثابة تلميع لصورتهما السياسية والأخلاقية المهزوزة لتعزيز حظوظهما الانتخابية، أما السلام المزعوم فهو غير موجود في الأصل في القاموسين الأميركي والصهيوني، والدليل أنه كلما كان يتقدم الفلسطينيون والأعراب بمبادرات، أو خطوات جادة لتحقيق السلام، يزداد العدو الصهيوني إرهاباً وغطرسة، وتزداد المطالب الأميركية لتقديم المزيد من التنازلات، والتخلي عن مزيد من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وهذا ما أثبتته كل التجارب السابقة، لأن السلام وفق الرؤية الصهيونية والأميركية هو التخلي عن كامل فلسطين التاريخية، وتحقيق حلم “من الفرات إلى النيل”.
مهزلة التطبيع الجارية اليوم، لا يمكن أن تحقق السلام، لأن جوهر هذا السلام هو إنهاء الاحتلال، والأنظمة المطبعة، وتلك المنتظرة على لائحة الدور، ليست لها أي مشكلة مع العدو الصهيوني، هي فقط نقلت علاقاتها معه من السرية إلى العلانية، ولكن الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال يبقى هو الأساس والمعني الأول، فعلى أي أساس سيتم السلام وحقوقه لم تزل مهدورة، حتى إن الولايات المتحدة وحكومة الكيان الصهيوني لا تريدان الاعتراف بحق هذا الشعب في إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967 بعاصمتها القدس الشرقية، وترفضان حق العودة، وحل قضية اللاجئين، ولا تعترفان بكل قرارات الشرعية الدولية بهذا الشأن، وهذا يثبت مجدداً أن السلام المزعوم لا وجود له على أجندات التطبيع.
اتفاقيات التطبيع لا تعدو أكثر من وسيلة يستفيد منها الكيان الصهيوني لاستكمال مشروعه التوسعي على حساب الشعوب العربية، وهي أيضاً محاولة يائسة لتطويق محور المقاومة وإضعاف قدراته، أما مشروع السلام الذين يتحدثون عنه فسيكون الضحية الأولى لمسار التطبيع، فحكومة العدو لا تريده، ولا تسعى إليه، واستبدلته بمشروعات الاستيطان والتهويد ومحو المعالم التاريخية والهوية الإسلامية لفلسطين، ومع كل حديث عن عملية تطبيع جديدة يزداد الإرهاب الصهيوني شراسة ضد الشعب الفلسطيني، وهذا كله يفضي لحقيقة واحدة، بأن التمسك بخيار المقاومة المشروعة لإنهاء الاحتلال واستعادة الحقوق، هو الذي يؤسس لسلام عادل وشامل.
البقعة الساخنة – ناصر منذر