الثورة أون لاين:
مع انتهاء مراسم توقيع اتفاقي التطبيع بين الكيان الغاصب والبحرين في الولايات المتحدة الأميركيّة وإذا كان البعض مقتنع لما يسوغون من أجله معادلة “السلام مقابل السلام” فهم واهمون ولا يعرفون أبعاد وتداعيات وخلفيات هذا التطبيع المشؤوم.
باختصار ظاهره أنيق ولا يخرج عن إطار التسويق السياسي والإعلامي للإدارة الأميركيّة في هذه المرحلة بالذات التي تسبق الانتخابات الأميركيّة ودعماً للحكومة الإسرائيلية من جهة أما في الوجه الآخر للتطبيع فإنّ باطنه وخفاياه عميق وخبيث وله أبعاده الخفية تجاه المنطقة بوجه عام وإيران على وجه الخصوص.
ومن خلال مقاربة سريعة لنصّ الاتفاق نجد أنه:
١- لم يكن هناك نص يتحدث عن استعادة الحقوق المغتصبة للشعب الفلسطيني.
٢- يتحدث عن مسار وآليات تطبيق صفقة القرن وإنهاء القضية الفلسطينية من خلال مساهمة الأطراف بتسهيل عملية التنفيذ لصفقة القرن.
٣- تغير البوصلة عن المحتل والمغتصب الحقيقي المعروف لكلّ شرفاء العالم المتمثّل بالكيان الصهيوني واعتبار إيران هي الخطر الوحيد في المنطقة.
٤- يؤسس الاتفاق لمرحلة جديدة من المخططات الصهيونية للمنطقة من خلال التوسع الاقتصادي والتمدد السياسي وضرب بنية الاستقرار باختلاق ذرائع واهمة بين أطراف تحكمها جملة من العوامل التاريخية والعلاقات البينية وتحديداً بين إيران ودول المنطقة وهذا ما أكدّ عليه أساساً كوهين رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي بقوله: سنبني تحالفاً عسكرياً مع دول الخليج ضد إيران وسيكون هناك تعاون استخباراتي وعسكري في وجه إيران.
مما تقدم وبالعودة على نصوص الاتفاق بين الكيان والبحرين هناك نقطة تنصّ على أن الكيان لا يترتب عليه أي تنازل عن الأراضي التي يحتلها، وهذا يؤكد لنا صحة ما قلناه من جهة وثانياً هناك حالة اختراق للتطبيع وخلل بنيوي واضح لأن ما بني على باطل فهو باطل وتكمن أهمية البطلان في عدم الاعتراف في مشروعية وشرعية الحقّ للشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه المغتصبة وأن الساكت عن الحق هو شيطان أخرس وعندما يمنح المغتصب وسام الاعتراف على حساب الحقوق نكون شركاء في اغتصاب هذه الحقوق وأي حقوق تاريخية وأخلاقية وقانونية وشرعية وسماوية يعرفها القاصي والداني، من هنا لا بدّ لنا من القول: ربما ينجح الاتفاق في الاستثمار السياسي والإعلامي لكن في العمق يعتبر التطبيع من المستحيلات في التنفيذ على أرض الواقع لأن كلّ الأسس التي بني عليها غير صحيحة.
ومنه يجب معرفة وإعلان حقيقية ما وراء الأكمة، وهو أن المسار التطبيعي مع دول الخليج، ينطلق من قاعدة ” تطبيع مقابل أو من أجل الحرب مع إيران، ظهر المقاومة للمشروع الصهيو أميركيّ في المنطقة، وبالتالي ضرب العمود الفقري للمقاومة، عند ذلك تصبح أطراف الأذرع المقاومة في شلل تام الممتدة من العراق وسوريا واليمن ولبنان وفلسطين.
مما تقدم لن أدخل في تفاصيل وحوامل هذا التطبيع بقدر ما هو التركيز على أبعاد وتداعيات ومضاعفات التطبيع بكلّ أبعاده وأشكاله السياسية والاقتصادية والثقافية على إيران.
والتطبيع بعنوانه الرئيس حرب على إيران، وهذه المرة وجهاً لوجه وبكل المقاييس، لسبب بسيط عندما حدث التطبيع الأول في كامب ديفيد قبل ٤٣ عاماً، لم تكن كثيراً لإيران شبكة علاقات رسمية وشعبية مع مصر.
وأعتقد أخيراً سيكون المطبعون هم الخاسر الأكبر في المستقبل القريب، ويكفي القول أصبحت جغرافيا بلدانهم ساحة للصراع فهل سنشهد بداية لحرب مفتوحة وبقواعد اشتباك جديدة مع إيران؟، هذا ما ستظهر ملامحه تباعاً، وكل ذلك متوقّف على تداعيات وأبعاد التطبيع مع أنظمة الخليج.
الدكتور عوني الحمصي/ باحث في العلاقات الدوليّة