الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
تعرّف السياسة الخارجية بأنها فن الممكن والتمييز بين الواقع والخيال، لذلك يحتاج صانعو السياسة الأمريكيون إلى إدراك أن روسيا تمتلك مصالح منفصلة وأنّها ستسعى وراء تحقيقها دون النظر عما ترغب به واشنطن.
لا شكّ أنّ الولايات المتحدة هي قوة عظمى في العالم فهي تملك الاقتصاد الأكبر والأكثر إنتاجية، كما أنّ لديها جيشاً قوياً وتتمتع بـ “قوة ناعمة” تتميز بها عن باقي القوى العالمية. ولكن ومع كل ذلك، فقد تعثرت محاولات حكومة ترامب لإدارة العالم من واشنطن، وتم التعامل مع الدول الحليفة لها على أنها أدوات تابعة، في حين رفض ألدّ أعداء أمريكا، كفنزويلا وإيران وكوريا الشمالية وسورية، الضغط الأمريكي، وعندما حاولت الولايات المتحدة التأثير على العالم بفرضها عقوبات دولية على طهران، انحازت حتّى الحكومات الأوروبية الحليفة لها إلى جانب الأخيرة.
ربّما يكون الأمر الأكثر إزعاجا بالنسبة للولايات المتحدة هو العلاقات المتنامية بين الصين وروسيا، رغم أنّها لا تزال محدودة، لكنّ الواضح أنّ ما جمعهما هو الكراهية والعداء لواشنطن، وعلى الرغم من أن بعض المحلّلين الغربيين يقلّلون من أهمية واستدامة مثل هذه العلاقة، إلا أن توماس جوسلين من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية أوضح خطورة هذه العلاقة حين قال: “يمكن القول إن الشراكة بين الرئيسين “شي جين بينغ وبوتين” هي العلاقة الأكثر خطورة على هذا الكوكب اليوم!!”.
عندما انتهت الحرب الباردة، لم يكن هناك سبب لتوقع أن ينتهي الأمر بواشنطن إلى خلاف مع كلا البلدين. لكن وبعد أن شنّ الغرب حربه الاقتصادية على روسيا قبل بضع سنوات، وصلت العلاقات بين بكين وموسكو إلى أعلى المستويات، بالرغم من عدم وجود تحالف رسمي بين البلدين، وقد قال ألكسندر جابويف من مركز كارنيجي في موسكو: “إنّ العلاقة الناشئة بين الصين وروسيا لا تزال علاقات تجارية في المقام الأول”.
ومع ذلك، تواصل الحكومتان التقارب فيما بينهما، حيث التقى شي جين بينغ وفلاديمير بوتين أكثر من ثلاثين مرة في الفترة الماضية، كما دعا الرئيس الصيني البلدين إلى معارضة الهيمنة والأحادية للولايات المتحدة، وحسب ما قال المؤرخ الشهير ماثيو دال سانتو: “إنّ روسيا والصين هنا اليوم أقرب من أي وقت مضى منذ التباعد الصيني السوفياتي الذي استغلته سابقاً سياسة نيكسون تجاه الصين”.
لا شكّ أنّ علاقة الصين وروسيا لها آثار عسكرية كبيرة، فقد قللتا من الحاجة إلى التحوط ضد بعضهما البعض، الأمر الذي سمح لكليهما بالتركيز على مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها من الدول الأخرى. وبدأ الطرفان يعززان من قدراتهما على إظهار القوة وتقييد الهيمنة الأمريكية من خلال التعاون العسكري بينهما، وبذلك أصبحتا أكثر قدرة على إحباط خطط واشنطن المستمرة عن طريق فرض خططهما الخاصة، وهما بتعاونهما معاً يوفران ثقلاً كبيراً موازناً للطموحات الأمريكية.
كما أخذت العلاقات فيما بينهما أبعاداً أخرى وأكثر أهمية إذ استطاعت الصين وروسيا، التعاون معاً للالتفاف على العقوبات الاقتصادية الاميركية، والسعي وراء الأهداف المشتركة في المنظمات الدولية، وتحسين قدرات الحرب الإلكترونية.
وتكتسب جمهورية الصين الشعبية التكنولوجيا العسكرية والتدريب؛ في الوقت الذي تقوم به روسيا بعقد مبيعات تجارية وتحصل على التكنولوجيا الخاضعة للعقوبات وتتلقى استثمارات اقتصادية.
تمثّل كلّاً من بكين وموسكو نظامين عالميين ضخمين، لكنّ غطرسة الولايات المتحدة، وأوروبا بدرجة أقل، شجّعتهما على التقارب أكثر من أي وقت مضى، وحتّى المدافعين عن التفوق الأمريكي الجامح أصبحوا قلقين بشأن العلاقة بين ثاني أقوى اقتصاد في العالم وثاني أقوى جيش بعد أن أصبحا يعملان معاً.
لكنّ الصين تشكل تحدياً أكبر، إذ إنّ الروابط الاقتصادية والصّلات الأخرى بين أمريكا وجمهورية الصين الشعبية كبيرة جداً، لكن التوتر بين القوة الصاعدة للصين والقوّة الحالية الأمريكية وطموحاتهما المتزايدة ستستمر في التصادم. لذلك يجب أن تتبنى واشنطن تسهيلات معقولة بدلاً من مقاومتها ومواجهتها للأهداف الصينية، ويمكن للولايات المتحدة أن تحقق هذا بزيادة الدعم الدولي لموقفها.
وفيما يخص روسيا فهناك اتهامات مستمرة وغاضبة بأنها تتدخل في الانتخابات الأمريكية، علماً أن الولايات المتحدة تدخلت في أكثر من ثمانين انتخابات تخص بلدانا في شتى أنحاء العالم بين عامي 1945 و 2000. ويظهر أنّ صانعي السياسة الأمريكيين غير راضين عن سياسة موسكو تجاه سورية وأفغانستان وفنزويلا وكوبا وغيرها، بينما تتدخل واشنطن في البلقان وأوروبا الوسطى والشرقية والشرق الأوسط وأماكن أخرى، وكلها أقرب إلى روسيا من أمريكا.
لقد فشلت السياسة الأمريكية الحالية في الضغط على موسكو لأجل التخلي عن سياساتها، وخاصة التخلي عن حليفتها منذ عقود “سورية”، حيث تتوقع واشنطن على ما يبدو السيطرة على كل دول الشرق الأوسط
وأخيراً، يرى الكثير من المحلّلين أن الولايات المتحدة شنّت حروباً كثيرة في العالم كما أنّها دعمت أعمالاً عسكرية غير قانونية ضد الكثير من البلدان كالعراق وصربيا وليبيا وسورية واليمن.
المصدر
The National Interest