الملحق الثقافي:
لا تنشأ الحرب وتندلع حباً بالحرب أبداً، وكما يقولون الحروب هي امتداد للسياسة. هذا لا يعني بالتأكيد أنه تسويغ للحرب، لا إنما بحث عن جذورها. وبالتالي الجذر الأول لها هو تحقيق المصالح بطريق غير تلك التي تسمى سياسة.
ولكن السؤال هل كل المصالح شرعية ومنطقية؟ الجواب أيضاً لا، وبالتالي ثمة ثقافة وروح عدوانية هي التي تؤسس لهذه الحروب وتعمل على إشعالها والدفع بها إلى الأمام.
كانوا يقولون مدافع هوليود دكت العالم قبل أن تصل البوارج الأميركية إلى حيث تعمد واشنطن أن تصل، أي أن السينما بوصفها منجزاً إبداعياً كانت الأساس لحروب مهدت لها. والنزعة الفلسفية الأميركية الذرائعية أو النفعية أو البراغماتية هي سوغت ذلك ومهدت للون الحياة الاستهلاكية الذي غدا نمط أميركا بكل شيء.
من خلال مقولة “دعه يعمل دعه يمر”، أي بالمال ومن أجل المال فقط يجب العمل من هنا، تبدو ثقافة أميركا وحروبها نفعية استثمارية، لا يهم كم عدد الضحايا والأبرياء، بل كم ستجني من مليارات تصب في البنوك والمصارف الأميركية.
من هنا علينا أن نبحث في كل حرب من الحروب في العالم عن الجوانب الثقافية أو الأسباب الثقافية لها. بالتأكيد لن تظهر بينة صريحة إلا بعد التنقيب والبحث، لأنها مغلفة بأساليب التضليل وأدواته من اختراع أسباب مباشرة وغير مباشرة.
ولكن بعد فترة قصيرة من الزمن سوف تظهر نتائج ذلك على الأرض، من خلال عمل المحتل أو المستعمر على فرض ثقافته، لون حياته، نمطها، عاداته وتقاليده، أساليب تفكيره على الشعب الذي احتله.
هل نذكر بالفرنسة التي مورست على الجزائر أو على سورية ولبنان وكذلك العثمنة. أليست استثمارات في نمط التحويل الثقافي نحو لغة وعادات ومجتمع استهلاكي غربي؟ هي كذلك وستبقى كذلك. لم تنته الحروب التي تفعل ذلك، لكنها طورت أساليبها وأدواتها وانتقلت اليوم إلى أجيال من الحروب التي تتطور كل لحظة وكل يوم يدعمها تطور تقني واجتماعي وعلماء في اللغة والفكر والفلسفة وغير ذلك.
أليست مواقع التواصل استثماراً في هذا اللون من الثقافات والعادات والتقاليد، وقد غدت هي مدافع هوليود وبوارج الأزرق السماوي لا البحري؟
إذن كل ما يجري ونراه على أرض الواقع من معارك بألوانها المختلفة، هي ذات صبغة أو منشأ ثقافي، غايته ونهايته أدلجة الإنسان الآخر ليتقولب بنمط ثقافي محدد، طبعاً بعد أن تكون وسائل الحروب الأخرى قد أخفقت أو مهدت للحرب الكبرى، ولم يعد التأخير مناسباً عن أعمال الطائرات والدبابات وغيرها للوصول إلى ما خطط له سابقاً.
قد يقول قائل: وماذا عن الحروب الثقافية الناعمة والاستثمار فيها؟ هي اليوم الاكثر فتكاً وقدرة على التحطيم، لأنها اختراق للقيم والعقل والفكر وتعديل السلوك، تجعلك تظن أنك تمضي بإراداتك نحو هدف ما، لكنك في واقع الأمر أسير السجن الثقافي والفكري الذي أعدوه لك تمضي إليه بملء إرادتك، لتكون أنت الاستثمار الاستهلاكي، وتحويلك إلى وحش بشري يقاد ويساق بخيط رفيع لا تراه، هو وهم أنك حر ومثقف وفاعل وحضاري، لكنك لست سوى ذرة هائمة في متاهة لا أحد يعرف متى تتلاشى وتندثر إلا من يحركها وينفخ بها وعليها من بعد.
وإذا ما أردنا القدرة على الثبات والفعل، فالاستثمار في عوامل النضج الثقافي هو الأساس، وكل شيء في الحياة هو ثقافة واستثمار فيها، لكن الغايات والأساليب تختلف. وهنا لب وجوهر أن تكون الثقافة استثماراً إنسانياً نورانياً أو تكون توحشاً عولمياً يحتوينا ليبصقنا سلعاً سعرها في بورصات الاستهلاك بالدولار، كما لو أننا مادة خام لا قيمة لها إلا حين الاستعمال.
التاريخ: الثلاثاء22-9-2020
رقم العدد :1014