الثورة أون لاين – فؤاد الوادي:
تختزل الانتخابات الرئاسية الأميركية، وإن أضفي عليها شيء من “الديمقراطية” الاستعراضية، ثقافة الإرهاب والغزو، حيث أسست الولايات المتحدة “الإمبراطورية الأقوى والأكثر هيمنة ونفوذاً في التاريخ الحديث” مجدها الامبراطوري “وحضارتها” الاستعلائية على الأشلاء والجماجم والدماء وقهر الشعوب.
لم يذكر التاريخ أن رئيساً أميركياً حاول تغيير هذه الثقافة أو صياغتها من جديد، بل كان الهم الأول هو اللهاث نحو تجميلها وتغطية وجهها القبيح بالشعارات الإنسانية لتظل محتفظة بكل قبحها وتوحشها وأفعالها العدوانية، لأن محاولة تغيير النهج العدواني الإرهابي تعد من الخطوط الحمر التي يمنع الاقتراب منها تحت أي ظرف من الظروف، حيث لا تتوانى الدولة الأميركية العميقة عن تكشير أنيابها لافتراس أي محاولة من هذا القبيل بغض النظر عن شعبية الحاكم الجديد في البيت الأبيض، وسبق أن دفع رؤساء أميركيون حياتهم ثمناً لمحاولاتهم المس بالسياسات القائمة.
وعلى هذه الخلفية يمكن اعتبار السباق الرئاسي الحالي بين دونالد ترامب ومنافسه “الديمقراطي” جو بايدن للوصول إلى البيت الأبيض، سباقاً لتنفيذ وترسيخ أجندات الولايات المتحدة القائمة على إرهاب العالم وغزوه واحتلاله وقهر الدول والشعوب التي تناهض أو تعرقل أو ترفض أو تقاوم المشاريع والمخططات الأميركية الاستعمارية، لذلك من المهم جداً أن نؤكد على حقيقة اللهاث الانتخابي الذي يغلب عليه طابع التكرار كل أربعة سنوات، حتى لو تغيرت الأوجه، فالعقلية وطريقة التفكير والثقافة والنهج موحدة، لذلك يبدو من السذاجة بمكان المراهنة على هذا المرشح الرئاسي أو ذاك لتحسين وتغيير السياسة الأميركية نحو الأفضل، بما يحقق السلام ويوقف الحروب ويحقن دماء الشعوب ويحارب التطرف والإرهاب، وقد بات العالم على قناعة تامة أن من يصل إلى سدة الرئاسة الأميركية لا يعدو كونه مجرد أداة تنفيذية للدولة العميقة التي تتغذى على صناعة الحروب والصراعات والأزمات ونشر التطرف والإرهاب لتحقيق مكاسب وأطماع اقتصادية وجيوسياسية.
فالاستثمار في الكذب والتضليل لخداع العالم، وادعاء حماية الديمقراطيات والحريات وحقوق الإنسان حول العالم، باتت من ثوابت البرامج الانتخابية للمرشحين الرئاسيين في أميركا، وقد أضيف إليها هذه الأيام مع تفشي وباء كورونا موضوع الاستثمار في صحة ملايين البشر حتى داخل الولايات المتحدة، فالرئيس ترامب الذي يواصل إدارة بلاده بعقلية التاجر الجشع ويحاول التمديد لولاية ثانية، اتخذ من اللقاح ضدّ فيروس كوفيد19 مادة دسمة لترجيح كفته في الانتخابات مقابل بايدن، لذلك نراه يلهث لإنتاج هذا اللقاح بسرعة عله يعطيه جرعة دعم من شأنها أن ترفع حظوظه في الفوز، إلى جانب مهزلة اتفاقيات السلام التي رعاها بين الكيان الصهيوني وبعض الأنظمة الخليجية التابعة.
يدعي ترامب أن بلاده وبدعم منه ستقوم بإنتاج أكثر من 100 مليون جرعة لقاح، بعد إقراره من هيئة الأغذية والأدوية الأميركية، حيث يبدو توقيت الإعلان عن اللقاح المفترض متزامنا مع ارتفاع حمى التنافس الانتخابي الذي منح بايدن تقدماً مريحا في استطلاعات الرأي على بعد أقل من شهر ونصف من انطلاق الانتخابات، بالمقابل لم يكن بايدن أقل استثماراً منه في هذا الموضوع حيث وجه لترامب اتهامات بالمسؤولية الكاملة عن موت آلاف الأميركيين جراء فيروس كورونا، معتبراً ـ ولديه مبرراته ـ أنّ فشل ترامب في إدارة الأزمة الوبائية الناجمة عن (كوفيد-19)، يجعله غير مؤهل بتاتاً لتولّي الرئاسة، كما ذكر بايدن الأميركيين برفض ترامب فرض إجراءات على الصعيد الوطني لمكافحة الفيروس مثل تدابير التباعد الجسدي وإلزامية وضع الكمامة، مؤكداً أنّه لا يثق به بكلّ ما يتعلّق بإنتاج لقاح أميركي فعّال ضدّ فيروس كورونا المستجدّ وتوزيعه.
فإذا كانت صحة الأميركيين وحياتهم مادة رخيصة للتنافس الانتخابي بين المرشحين للرئاسة، فما بال مصالح الدول وحياة ومعيشة ومصير الشعوب الأخرى بالنسبة لهما، وخاصة تلك الدول والشعوب التي تناهض السياسات الاستعمارية والتدخلية الأميركية حول العالم، إذ لم نسمع وعداً واحداً من قبل ترامب أو بايدن بخصوص وقف الحروب الأميركية العسكرية أو التجارية حول العالم، أو التزاماً بالتخلي عن دعم الإرهاب وإثارة المشكلات والنزاعات، بل لعل الأكثر إثارة للانتباه هو تنافسهما في كيفية إرضاء مصالح وأطماع الكيان الصهيوني على حساب الحقوق العربية، وتهافتهما الرخيص على اللوبي الصهيوني في أميركا من أجل الحصول على دعمه المؤثر في الثالث من تشرين الثاني القادم.