الثورة أون لاين- فاتن أحمد دعبول:
تسعى دول العالم إلى تخليد مبدعيها والحفاظ على لغتها بتخصيص يوم عالمي لتكريس أهميتها وضرورة الحفاظ عليها، ولكن لغتنا ماتزال تحتفظ بيومها الذي أقرته الأمم المتحدة في 18 كانون الأول من كل عام وهو اليوم الذي أصبحت فيه اللغة العربية لغة رسمية في رحابها.
واليوم تبذل الجهود الكبيرة من أجل ربط اليوم العالمي للغة العربية بأحد رموز الثقافة العربية، وقد وقع الخيار على الشاعر المتنبي لما كان له من شأن في قومه وتميز شعره وهذا مابينه المشاركون في الندوة التي أقامها اتحاد الكتاب العرب برئاسة مالك صقور رئيس الاتحاد وقد افتتح الندوة بالقول:
مالك صقور: شاعر العروبة
تاريخ طويل يفصل بيننا وبين أبي الطيب المتنبي شاعر العرب الأول وشاعر العروبة بحق، وعلى الرغم من المسافة البعيدة لم يستطع الزمان أن يخمد صوته في آذاننا، ولا المكان كان قادرا أن يمحو صورته من أذهاننا مثل كل العظماء.
وما أحوجنا اليوم إلى أبي الطيب ذاك العبقري العربي لأن حال الأمة العربية في هذه الأيام تشبه حال الأمة في عصر المتنبي، ونحن بحاجة إليه اليوم من أجل اللغة العربية المهددة من أبنائها، وكي يتعلم الجيل الشعر الحقيقي الأصيل ولنستعيد ثقتنا بأنفسنا ..
د. جورج جبور: رموزنا الثقافية
وتوقف رئيس الرابطة السورية للأمم المتحدة جورج جبور عند أهمية اعتماد أحد رموزنا الثقافية العربية يوما عالميا للغتنا، مبينا المحاولات التي تمت من أجل تحقيق هذا الهدف أسوة بالأيام العالمية الأخرى من مثل بوشكين يوم الروسية وشكسبير يوم الانجليزية وغيرها ..
وطلب إلى الاتحاد اعتبار هذا الأمر جزءا من النضال ودعاه إلى مخاطبة الهيئات المعنية باللغة في سورية ومخاطبة الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب ليقوم بمهمته الجليلة وبعدها السياسي والقومي والإنساني.
د. علي دياب: نادرة زمانه وأعجوبة عصره
ويتوقف د. علي دياب عند محطات من السيرة الذاتية للمتنبي مالىء الدنيا وشاغل الناس وولادته في قبيلة كندة، واشتهر بالمدح تارة وبالهجاء تارة أخرى لذلك كان له معجبون كثر وأيضا خصوم، وهو قبل كل ذلك من أعظم شعراء العربية وأكثرهم تمكنا من اللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، وله مكانة سامية لم تتح مثلها لغيره، ولم يكن مقصرا في الأغراض الشعرية كافة حتى وصف في أنه نادرة زمانه وأعجوبة عصره.
د. نزار بريك هنيدي: صانع المجد
ويبين د. نزار بريك هنيدي أن المتنبي كان يسهر على العناية بشعره والترويج له ويعمل على اجتذاب المريدين والنقاد ويحيطهم بعنايته ورعايته ويؤسس الحلقات التي تدرس شعره ويخوض السجالات الطويلة لمناقشة شعره والدفاع عنه، وكان يحرص على ألا يختار من قصائده إلا تلك الجديرة بأن يضمها ديوانه.
وقد اجتهد المتنبي في صناعة مجده لما يملكه من الموهبة والأصالة والثقافة والإيمان بمشروعه والتضحية في سبيله، وعلى قدر العزم تأتي العزائم.
د. جهاد بكفلوني:
وقد عبر د. جهاد بكفلوني عن مكانة المتنبي في عصره وفي وقتنا الحالي فهو كالشهاب لا يأفل وهجه، يقول:
ياأبا الطيب استمر العتاب…كسؤال وما هناك جواب
أنت منا ونحن منك شكوك..راودتني وكم ألح ارتياب
نحن في التيه مركب مزقته..ألف ريح أشلاؤه أسلاب
شاعر العرب لاتضق بشكاتي.. نهشتني الهموم والأوصاب
واقع الأمة المخيف كتاب..ليته مطوي وبئس الكتاب
د. أحمد علي محمد: شاعر المجد
وأوضح د. أحمد علي محمد أن شعر المتنبي انطوى على صورتين، صورة ترسم في شعره تقوم على صياغة الذات المشتهاة وتتمثل بالتعبير عن أخلاق السادة الظافرين وتتشكل من جملة قيم على رأسها الأنفة والإباء والسمو والعظمة والقوة والمغالاة في تقدير الذات.
أما الصورة الثانية فهي مغايرة تماما وتتمثل بالضعف والانكسار والخنوع والتشتت والضياع والقلق، وهي الصورة التي تعبر عن أخلاق المغلوبين والمنكسرين والمهمشين.
كل ذلك بقدرة فنية مبدعة حتى أمسى شعر المتنبي تاريخا للإنسان في انتصاراته وانكساراته كافة، والشاعر العبقري إذ أحكم القبض على هذين المستويين وتربع على سدة المجد.
الشاعر أمير سماوي: عبقرية محيرة
ويرى الشاعر أمير سماوي أن المتنبي يشكل استثناء لبلاغة الخطاب الشعري ولايزال قائما كقامة مرجعية سواء للشعراء أو لمتابعي الشعر حتى زمن موغل في أبدية اللغة العربية، وقد أثار الحساد وتعرض لكل أصناف التجني، وبسبب طموحه المتدفق شعرا يعبر عن عظمة شخصيته وعبقريته حتى لم يرق الممدوح إلى درجة تفوق الشاعر المتنبي الذي بقي نبيا شعريا ألهم الأجيال لتنهل من فصاحته وحكمته وفلسفته ومدحه وهجائه قيم الإنسان العليا، وظلت أفهامها تتقبله مثالا يستشهد من شعره الحاضر كتعبير حي عن الحياة والسلوك الإنساني فيها.
وتلا الندوة مداخلات هامة وأجمعت أن الشاعر المتنبي شخصية تستحق الدخول في عالمها بشكل أعمق، وهو يستحق أن يكون الرمز الثقافي العربي ليوم اللغة العربية، بعد أن يعمم الاقتراح على عواصم الدول العربية وتداول الرأي، ومن حق العرب أن يكون للغتهم يومها الخاص برمز ثقافي عربي.