الثورة أون لاين- هفاف ميهوب
“ما أجملك حين تتشبّث بروحك الأصيلة، في زمنٍ يحاول أن يصنع من البشر نسخاً مشابهة.. حين تتمسك بلونك الفريد في عالم الألوان المكررة.. حين تحافظ على صوتك الخاص، إيماناً منك بأنه الصوت الذي يميزك.. حين لا تلبس ثوباً لا يشبهك، ولا تتبع أي ريح تطرق بابك، وحين تكون أنتَ أنت”..
هذا ما سعت الفنانة التشكيلية “رنا عثمان” لأن ترسم ملامح عالمها به، بعدما رأته يغرق أكثر في بشاعته.. البشاعة التي اختارت أن تبعد وجوه أحبتها عنها ومن ثم تلونها، وبنقاء روحها وعفوية بوحها.. الروح التي آمنت بأنها تخصها وحدها، والبوح الذي بدأته بالتعريف عن نفسها وتدرجها في طموحها:
“في السادسة من عمري اكتشفت أن لدي هذه الموهبة. الرسم الذي شعرته ينعش روحي ويغمرني بالسعادةِ، ولاسيما أنني كنت أميل إليه، دون أن أعرف أو أفكر بأنني سأتمرس فيه.
بدأتُ عبر مبارزات فنية عائلية وعفوية.. رسمت المنزل وما يحيط به من أشجار وزهور وعصافير ووو .. تفوقت لوحاتي وكم كانت سعادتي كبيرة، بسبب الإطراء الذي سمعته وأوقد موهبتي.
هذا عن الموهبة، أما بدايتي الحقيقية فكانت في المدرسة الابتدائية، فقد كنت دائماً متحمسة لدرس الرسم، وكنت أفرح بتشجيعِ المدرسين لي، وأشترك في جميع المعارض والمسابقات وأتفوق بها. من يومها، والرسم يشغل روحي وتفكيري، بل يملأ كياني.
لقد بدأ عشقي للرسم يكبر، مع كل مرحلة دراسية أتجاوزها، وما أن وصلت إلى الخامسة عشرة من عمري، حتى شعرت بأنني قد اكتسبت خبرةً جيدة بالرسم. ذلك أنني ثابرت على الاهتمام به، والانشغال بكلّ مايطوره، وقد ساعدني دعم أسرتي على التمرس أكثر ومعرفة القواعد الاحترافية التي طبقتها فعلياً، بذهابي إلى العاصمة دمشق والتسجيل في معهد أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية”..

إنه عالمها الذي تعيش فيه حياة جميلة وراقية، والذي لونته في بداياتها بالفحم والرصاص والأكرليك الزيتي، وتلونه في حاضرها بالألوان المائية.
عالم الفن الذي تسألها عنه فتتأمل المدى الذي يحيط بها.. تغمض وكأنها تستدعي ريشتها لتكتب في فضاء الحياة، بأنه بالنسبة لها:
“بيتي الصغير الذي أسافر إليه عبر ريشتي، هرباً من العالم الخارجي. العالم المكتظ بالمعاناة والهموم والأحزان، والذي لايشبه عالمي حيث الحب والشغف والجمال والسلام”..
نعم، هذا هو عالم الفنانة التشكيلية “رنا عثمان” التي لابدّ للناظر إلى لوحاتها، من أن يتساءل، عن السبب الذي جعلها تبدع في رسم الوجوه، ولاسيما تلك التي حفر الزمن أخاديد المعاناة وتجاعيد الحياة على ملامحها.. يتساءل بعد أن يتأمل، فيكون ردّها الأجمل:
“كل وجٍه في الحياة ذاكرة، وكم أعشق أن أغوص فيها لأستخرج الحكايا الحية.. أستخرجها وأستمع إلى مافيها من قصص الفرح والسعادة والحزن والتعب والغربة والهموم.. أجدها الأقدر على مدّي بفيض من المشاعر والتعابير والانفعالات الإنسانية”.
لاتنتهي الحكايا المبدعة، ولا ينتهي الجمال إن جسدته أنامل الفن الرائعة.. لا تنتهي الحكايا ولن. لكن، سنختصر ليكون ما اختصرت به هذه الفنانة، قولها عن معاناة الفنان والفن:
“هناك صعوبات عديدة يكمن أغلبها، في عدم الاهتمام بالفن وتقديره، من قبل الجمهور أولاً، ومن قبل من يفترض أن يهتموا ويدعموا الفنون بأنواعها.
بالنهاية، الفن هو موهبتي وهويتي، وسأبقى أسعى لاستبدال البشاعة التي واجهت أبناء سوريتي، بالجمال والسعادة والمحبة وسوى ذلك مما أعتبره رسالتي.