الثورة أون لاين:طرطوس ..محمود ابراهيم
أقتضت الضرورةُ سابقاً أن يقدمَ الكثير من الطلاب والطالبات الجامعيين للعمل في العطلةِ الصيفية علهم يدخرون خلالها مبلغاً مالياً يستطيعونَ به إعالة أنفسهم ومشاركةَ ذويهم في تحمل الأعباء المالية التي تتطلبها دراستهم الجامعية.
لكن ومع تردي الأوضاع الاقتصادية في سورية على نحوٍ غير مسبوق لم تعد فرصةُ الصيف تمثل فرصةً بحد ذاتها لأن العائد المالي الذي يمكنُ أن يتحقق خلالها لا يساهمُ ولو بالحد الأدنى في تغطيةِ مصاريف ومستلزمات الدراسة والأقساط الجامعية بل وحتى المصروف الشخصي لطالب على مدار السنة الدراسية.
ولذلك فإن العمل والدراسة في نفس الوقت أصبح الخيار الوحيد أمام الكثيرين منهم حتى لو لم يكن هذا العمل هو نفسُ المجال الذي يطمحونَ له في المستقبل وهو ما يعتبر تحدّيًا حقيقياً لهم في التوفيق ما بين العمل والدراسة مع عدم إغفال حقيقة أن العمل يشكل فرصة لهم لاكتساب المزيد من الخبرات المهنيّة والحياتيّة وإن كانت الأسباب المادية هي أقوى دوافع العمل أثناء الدراسة.
الثورة التقت مجموعة من الطلاب الجامعيين الذين اضطرتهم ظروف الحياة العمل إلى جانب دراستهم…
علي طالب جامعي في السنة الثالثة إدارة أعمال في برنامج التعليم المفتوح، أوضح لنا أن أسرته لم تعد تستطيع مؤخراً تحمل نفقات دراسته الجامعية إضافة إلى مصروفه الشخصي وبين أنه كاد أن يتخلى عن حلمه في إتمام دراسته لولا أنه أعاد التفكير ملياً في مدى صوابيةِ قرارهِ هذا، وإنه توصل في النهاية إلى نتيجةٍ أن لا مناصَ سوى العمل والدراسة معا. ويضيفُ إنه في البداية عانى من الأعمال المجهدة التي جعلته مشتت الذهن إلى أن أتيحت له فيما بعد فرصةٌ للعمل في إحدى الشركات التجارية (مندوب مبيعات)وعن هذا العمل يقول علي إنه عزز لديه القدرة على التواصل مع الآخرين وعرّفه على كثير من الناس وهو سعيد جدا بأنه بدأ العمل باكراً.
بدورها الطالبة الجامعية فاطمة قالت إنها تعمل بدوام جزئي في أحدَ المطاعم في مدينة طرطوس وفي نفس الوقت تتابع دراستها الجامعية وطبعاً عملها هذا يكون مساءً بعد انتهاء الدوام الجامعي حيث أوضحت إنها في البداية لاقت معارضةً من أهلها لرفضهم فكرة العمل لأنهم لا يحبذونَ أن تعمل ابنتهم في خدمة الزبائن في المطاعم، ولكنها أصرت على العمل لمعرفتها بالضائقة المالية التي تعيشها أسرتها وتعاطفها مع والدها الذي حسب وصفها يخرج للعمل في الصباح الباكر ولا يعود إلا مساءً من أجل تأمين مصروف المنزل. وعن العمل الذي تقوم به حالياً قالت فاطمة رغم المجهود المضاعف الذي أبذلهُ في الدراسة والعمل فإني أشعر بالثقةِ لأني بدأت أعتمدُ على نفسي وبالطبع إن هذه المهنة مؤقتة ريثما أتخرج من جامعتي والتي آمل أن تمكنني في المستقبل من العمل في وظيفة أفضل.
المرشدة الاجتماعية راوية شاكر أوضحت لنا أن هناك عدة أسباب جوهرية تدفع الطالب الجامعي للعمل إلى جانب دراسته أولها العامل المادي المرتبطً بالواقع الاقتصادي الذي أدى في العموم إلى عجز الكثير من الأسر السورية عن تأمين حاجات ومستلزمات ابنائهم الطلاب في مرحلتهم الجامعية. والعامل الثاني هو الشخصي المرتبط أساساً بالطالب ورغبته في الاعتماد على نفسه وتحقيق ذاته بعيداً عن مظلة العائلة (الاستقلال المادي)
وأضافت شاكر بالطبع إن هذه الظاهرة شأنها شأن كل الظواهر الاجتماعية الأخرى لها جوانب إيجابية واخرى سلبية فالإيجابية منها تتلخص في مساهمة الطالب في تأمين مصروفه بعيداً عن الأسرة وبالتالي تخف الأعباء عن كاهل ولي الأمر.. وأيضاً يعتاد الطالب على تحمل المسؤوليات التي سيواجهها حتماً في المستقبل إضافة إلى أن العمل يساهم في تدعيم ثقة الطالب بنفسه وقدرته على الاحتمال والصبر في مواجهة تحديات الحياة وأيضاً اكتسابه خبرة عملية إذا كان عمله باختصاص دراسته.
أما بالنسبة للجوانب السلبية فأوضحت انها تنشأ عادة عن عدم قدرة الطالب على تحقيق التوازن ما بين العمل والدراسة وبالتالي يزداد الضغط والإحساسُ لديه بأن الوقت الذي يملكه غير كافٍ لتأدية المهام الموكلةِ إليه سواءٌ في العمل أو في الدراسة وهذا مايؤدي إلى شعوره بالإرهاق والتعب الذي يمكن أن يؤدي في النهاية إلى التأخر الدراسي.
وأشارت أيضاَ إلى إحدى أكثر المواقف الاجتماعية سلبيةً حول هذا الموضوع وهي السخرية والشماتة التي من الممكن أن يتعرض لها الطالب من محيطهِ الاجتماعي عند مزاولته عملاً دون مستوى اختصاصه الجامعي كأن يدرس الهندسة مثلا” ويعمل نادلاً في مطعم و هذه الظاهرة هي ما تسمى (التنمر ) وللأسف هي ظاهرة منتشرة كثيراً في مجتمعاتنا.
وعن النصائح والإرشادات التي يمكن لطالب أن يستدل بها للتوفيق مابين عمله والدراسة أوضحت راوية
بدايةً على الطالب أن يضع في ذهنه فكرةً أساسية ولا يحيد عنها بتاتاً وهي أن عمله لخدمة دراستهِ فلا يهملها لصالح العمل وأن يحاول قدر المستطاع تنظيم الوقت بما يتناسب مع ظروف حياته وإذا كان هناك مجال للحصول على إجازة في يوم ما فلتكن الإجازة من العمل وليس من الدراسة وأخيراً على الطالب ألا يجهد نفسه كثيراً ويحملها ما لا طاقة لها به فالصحة أساسيةٌ للاستمرار بالعمل والدراسة وجميعنا يعّي أن الظروف الحالية صعبة ولكن لامجال للاستسلام.