الثورة أون لاين- فؤاد الوادي:
هو فصل جديد من فصول الإرهاب والعبث بالمشهد الإقليمي يحاول رئيس النظام التركي صناعته خارج حدود بلاده، ضمن سياق هوايته الدموية – إشعال الحرائق في المنطقة – الهواية التي بات يتقنها جيداً، في اعتقاد منه أن أدخنة تلك الحرائق من الممكن أن تغطي على طموحاته ومشاريعه الاخوانية والعثمانية.
فبعد جرائمه وحماقته الأخيرة في شرقي المتوسط وقبلها في ليبيا وسورية، يذهب أردوغان هذه المرة بعيداً نحو القوقاز إحدى خواصر روسيا، محاولاً النفخ في رماد صراع يسخن تارة ويبرد تارة أخرى بين الجارتين أذربيجان وأرمينيا، فالصراع بين الدولتين يرقد على فوهة بركان بسبب جذوره التاريخية وأبعاده الدولية وتعقيداته الجيوسياسية، وهو الأمر الذي يشكل بيئة مناسبة لذلك الإخواني ليصب الزيت على النار ويدفع بالأمور نحو التصعيد أكثر فأكثر لعله يوسع نطاق اللعب في الإقليم، لأن ذلك ـ من وجهة نظره ـ يخدم ملفاته الأخرى، وخصوصا العالقة والمستعصية منها، وفي مقدمتها ملف الحرب الإرهابية على سورية حيث لم يقطف منه أردوغان النتائج التي كان يتوخاها، بسبب نجاح الدولة السورية في سد البوابة التي كان يريد أن ينفد منها مشروعه الاخواني الاحتلالي إلى كل المنطقة، وذلك حسب الحصة التي وعده بها أصحاب المشروع الأكبر أي المشروع الأميركي الذي يتفرد بتوزيع الأدوار الصغيرة على عملائه ومرتزقته.
أردوغان اليوم يبحث عن مساحات وهوامش جديدة للاستثمار والابتزاز والتصيد في الماء العكر، ولاسيما ما يخص الروسي على وجه الخصوص، الذي فرمل اندفاعته جنوباً، والحقيقة التي طفت على السطح وأصبحت حقيقة ثابتة، هي أن أردوغان أضحى عبئاً على شركائه أكثر من خصومه، بسبب سياساته الإرهابية وأطماعه الإخوانية التي جرته بعيداً عن حدود بلاده.
وعلى هذه الخلفية يشكل الصراع الأذربيجاني الأرمني فرصة مناسبة للنظام التركي ليشعل حريقاً جديدا، لاسيما وأن جنوب القوقاز يعتبر من الناحية الجيوسياسية هاما جدا بالنسبة لروسيا، فهو ممر إلزامي لخطوط أنابيب النفط والغاز إلى الأسواق العالمية، وهذا ما يجعل أردوغان أكثر ثوراناً واستشراساً من أجل التدخل والتصعيد وصب الزيت على النار، عبر التدخل المباشر وإرسال قوات عسكرية وأسلحة تركية إلى المنطقة للمشاركة في الحرب الدائرة بين الطرفين، عل ذلك يمكنه من الجلوس إلى طاولة التحاصص واقتسام الكعكة التي تنتج عن هذا الصراع.
فعلى العكس من التوجه السابق لتركيا (صفر مشاكل في الإقليم) سارع أردوغان منذ تربعه على كرسي الحكم في تركيا إلى إتباع سياسة إشعال الحرائق، سواء داخل تركيا، أو خارج حدودها، ظنا منه أن هذه السياسة تمكنه من السيطرة وإنجاز تحقيق طموحاته وأحلامه العثمانية، لكنه حتى الآن لم يخرج من عباءة التابع الذي يقوم بدور وظيفي مرسوم له في المشروع الصهيو- أميركي، فجرائمه ضد الشعب السوري على مدى نحو عشر سنوات لم تخدم الدولة التركية بقدر ما خدمت المشروع الآخر، رغم كل عمليات النهب والسلب التي قام بها لخيرات وثروات ومصانع سورية واستغلاله لأزمة المهجرين والمتاجرة بمعاناتهم.
الحقيقة الواضحة اليوم هي أن أردوغان بات يشكل خطراً على تركيا وعلى الشعب التركي في المقام الأول، فسياساته التصعيدية وتدخلاته في الإقليم لا يمكن أن ترتد إيجابا على الأتراك، فعلاقات تركيا تدهورت مع معظم الدول العربية بسبب دعمه لحركة “الإخوان المسلمين” الإرهابية، كما أن تدخله في ليبيا وأطماعه بالنفط والغاز في شرق المتوسط قد جعلا تركيا منبوذة من قبل دول الاتحاد الأوروبي، وأغلب الظن أن تدخله في الصراع الدائر بين أذربيجان وأرمينيا وصبه الزيت على نار هذا الصراع لن يكون موضع ترحيب شريكه في “أستانة” أي روسيا بالتحديد، فلطالما حاولت روسيا تسوية هذا النزاع بين الدولتين اللتين كانتا حتى وقت قريب جزءا من الاتحاد السوفييتي ولم تفلح بسبب تدخلات خارجية، وهي تعي تماما حجم الضرر الذي يمكن أن يلحقه تجدد الصراع بهذه المنطقة الحيوية بالنسبة لروسيا.
وإذا ما أردنا أن نفهم أو ندرك الخطر الذي يشكله أردوغان على تركيا قبل محيطها الجغرافي فلا أجدر من أن نستعيد ما يقوله بعض السياسيين الأتراك، فها هو نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي اوزكور أوزال يؤكد قبل أسابيع من أن “سياسات أردوغان باتت تهدد المصالح القومية التركية لأنها دفعت العديد من دول العالم لمعاداة تركيا التي باتت تعاني الكثير من المشاكل الأمنية والاقتصادية والمالية بسبب هذه العداوات”، فهل يطمع الأخير بجوائز أميركية جراء ما يقوم به، أم أن له مآرب أخرى ستتكفل الأحداث المتلاحقة بكشفها تباعاً…؟!