الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
منذ ما يقرب من ثمانية أشهر كان العالم بأجمعه يعيش مع عوامل عدم يقين متعلقة بفيروس كورونا ، والآن وبعد تأكيد إصابة كل من الرئيس دونالد ترامب وزوجته ميلانيا بالفيروس فقد أدّى هذا إلى دفع الولايات المتحدة ، والتي تعاني فعلياً من حيرة سياسية ، إلى واقع جديد محفوف بالمخاطر .
وفي لمحة تاريخية فقد عانى الكثير من رؤساء الولايات المتحدة وزوجاتهم من أمراض مختلفة من قبل ، ففي أوائل التسعينيات على سبيل المثال ، عانى الرئيس جورج بوش وزوجته باربرا بنفس الوقت من مرض جريفز ، وهو اضطراب في المناعة الذاتية إلا أن المرض كان قابلاً للعلاج ، كما أصيب كل من الرئيس رونالد ريغان وزوجته نانسي بمرض السرطان خلال سنوات وجودهما في البيت الأبيض .
ولكن يبدو أنه لم يسبق أن كان لمرض سيد البيت الأبيض وزوجته في نفس الوقت هذه الدرجة من الخطورة والجدية كما هو الوضع الآن معهما .
فعلى الرغم من تصريح كبير موظفي البيت الأبيض مارك ميدوز بأن ترامب كان يعاني من أعراض خفيفة لكوفيد-19، فقد تمّ نقل الرئيس في وقت لاحق إلى مركز والتر ريد الطبي العسكري الوطني ، ومن المحتمل ألّا يعرف أحد ، حتى ترامب نفسه ، حالة مرضه الدقيقة لبعض الوقت ، ويثير تشخيص مرض ترامب مجموعة كبيرة من الأسئلة الشائكة الأخرى حول كيفية ضمان استمراريته في قيادة الدولة ، ويصبح القلق أكبر خاصة أن ذلك يحدث في الشهر الأخير من حملة الانتخابات الرئاسية والتي يتم التنازع عليها بشدة.
إنّ الحقيقة الكاملة حول صحة الرئيس ستبقى سراً ، وغالباً ما يكون البيت الأبيض شديد الحرص بشأن المشاركة والإعلان عن معلومات حقيقية وصادقة عندما يتعلق الأمر بصحة الرئيس الأمريكي.
ففي نيسان من عام 1919، قام أطباء البيت الأبيض بالتستر على إصابة الرئيس وودرو ويلسون بالأنفلونزا ، حيث ارتفعت درجة حرارته إلى 103 درجة على مقياس فهرنهايت لمدة أربعة أيام ، ثم أصيب في تشرين الأول بسكتة دماغية شديدة أضعفته ، وأثناء ذلك واصلت السيدة الأولى إديث ويلسون إدارة البلاد من وراء الستار حوالي 17 شهراً كانت متبقية من ولاية الرئيس ، مختبئة خلف العديد من الأكاذيب بالاعتماد على كتيبة من المساعدين .
إنّ حالة ويلسون لم تكن الوحيدة ، ففي آذار من عام 1944، وقبل سبعة أشهر من الانتخابات في ذلك الوقت ، توصّل أطباء الرئيس فرانكلين دي روزفلت إلى أن الرئيس كان يعاني من “قصور حاد في القلب ” وبدؤوا في إعطائه مهدئاً لتقليل إجهاده.
ومع ذلك لم يتم إعلامه أو إعلام البلاد عن الحقيقة الكاملة لدرجة مرضه ، ما سمح له بالسعي والفوز بشكل غير مسبوق بولاية رئاسية رابعة ، ولكن كل هذا لم يساعده حيث إنه توفي بعد ثلاثة أشهر فقط من تنصيبه.
إلّا أنّ الأمور تحسنت إلى حد ما في عهد الرئيس دوايت أيزنهاور ، فقد أصيب بنوبة قلبية خطيرة وانسداد الأمعاء الدقيقة في ولايته الأولى وسكتة دماغية طفيفة في فترة ولايته الثانية ، وعلى العكس من حالة روزفلت ، لم يخف الأطباء عنه شدة النوبة القلبية مع أنهم قللوا من أهمية السكتة الدماغية التالية ، لكنّ هذه الشفافية لم تدم في عهد الرئيس جون كينيدي ، الذي لم يشارك أطباؤه أبداً المعلومات بإصابته بمرض أديسون المزمن ، وهو قصور في الغدة الكظرية يمكن أن يؤدي إلى أزمات تهدد الحياة ، كما أنّهم لم يكشفوا عن مزيج المنشطات وآثارها والتي كان يتناولها كعلاج .
لكّن الأوضاع أخذت بالتغيّر بدءاً من فجر العصر النووي، ففي عام 1947، بدأت الحكومة الأمريكية في وضع بروتوكولات لضمان استمرارية الحكومة في حالة وقوع هجوم نووي كارثي ، لكنّ وجود احتمالية عدم الأمانة بشأن صحة القائد العام ظلت مشكلة كبيرة ، فقد أدى سوء التعامل مع أمراض أيزنهاور واغتيال كينيدي إلى اعتماد التعديل الخامس والعشرين في دستور الولايات المتحدة في شباط عام 1967، بالإضافة إلى توضيح النّص الدستوري الذي ينصّ على أن نائب الرئيس سيصبح رئيساً للبلاد عند وفاة الرئيس ، وليس مجرد رئيس تنفيذي بالوكالة ، وتمّ وضع الإجراء ، ولأول مرة يوضّح الطريقة التي يمكن من خلالها للرئيس المريض نقل السلطة طواعية إلى نائب الرئيس ، وبخصوص التعامل مع احتمال أن الرئيس وأطباءه قد لا يكونون صادقين بشأن طبيعة إعاقته أو مرضه فقد حدّد التعديل أيضاً نظاماً معقداً نوعاً ما ، للانتقال غير الطوعي للسلطة ، ويتم ذلك إذا قام نائب الرئيس وأغلبية أعضاء مجلس الوزراء بإبلاغ الكونغرس كتابياً بأن الرئيس لم يعد قادراً على أداء واجباته ، عند ذلك ينص التعديل على أن نائب الرئيس يصبح رئيساً بالنيابة. ورغم ذلك ، إذا كان الرئيس جيداً بما يكفي للتعبير عن عدم موافقته على قرار حكومته ، فإن الأمر يحال إلى الكونغرس ، الذي يجب أن يصوت على القرار بأغلبية ثلثي الأصوات.
حتى الآن تم استخدام النظام التطوعي في التعديل الخامس والعشرين ثلاث مرات. في عام 1985 قام ريغان بنقل السلطة إلى نائبه جورج بوش عندما خضع لعملية جراحية لإزالة ورم خبيث من القولون .
وفي عامي 2002 و 2007 ، نقل الرئيس جورج دبليو بوش السلطة لفترة وجيزة إلى نائب الرئيس ديك تشيني عندما خضع لتنظير القولون ، ومع ذلك فإن الانتقال اللا طوعي للسلطة لم يتم اختباره مطلقاً حتى الآن .
لم تواجه الولايات المتحدة منذ عام 1944 احتمال أن يصبح الرئيس عاجزاً أثناء الانتخابات ، وعلى الرغم من بدء التصويت بالفعل ، ستسمح لوائح الحزب الجمهوري باستبدال ترامب كمرشح له في حالة الوفاة أو العجز الخطير ، ومن المحتمل- وإن لم يكن تلقائياً – أن يقع اختيار الحزب على نائب الرئيس “مايك بنس”، وفي حال تفاقم مرض الرئيس بعد 3 تشرين الثاني ، فإن التعديل العشرين يقدّم بعض الإرشادات التي لم يتم اختبارها بعد بشأن ما يجب أن يحدث بعد ذلك.
ففي حال فاز ترامب ومات قبل التنصيب ، فإن نائب الرئيس المنتخب بنس سيصبح هو الرئيس ، وإذا حصل ترامب على أغلبية الأصوات في تشرين الثاني لكنه مات قبل أن يصوت أعضاء الهيئة الانتخابية في كانون الأول ، فسيتعين على الحزب الجمهوري محاولة تشجيع الناخبين الذين قاموا بالتصويت لترامب أن يصوتوا لبنس أو يتم إعطاء الخيار للكونغرس .
وإذا مات ترامب بعد تصويت الهيئة الانتخابية ولكن قبل أن يتم عدّ الأصوات من قبل الكونغرس وإعلان الفائز رسمياً في 6 كانون الثاني ، عندها سيصبح بنس رئيساً بالإنابة في 20 كانون الثاني ، وهو المنصب الذي سيشغله حتى يختار الكونغرس رئيساً جديداً ، أما إذا أصبح الرئيس المُنتخب عاجزاً فقط ، فلا يوفّر أيّاً من التعديلين العشرين أو الخامس والعشرين أي إرشادات لما سيحدث بعد ذلك .
وللمساعدة في تقليل حالة الشّك الهائلة هذه ، يستحق الأمريكيون معرفة التطورات اليومية بشأن صحة ترامب . فقد لا يرحب الرئيس بفكرة مشاركة المعلومات التي لا يبدو أنها تعد بتعاف سريع وكامل ، ولكنّ أي محاولة لتدوير الحقيقة الآن ستزيد فقط من احتمال عدم تصديق الأخبار الجيّدة حول تعافي الرئيس في حال وجودها لاحقاً .
تضع الأمراض التي تصيب الرؤساء الأمريكيين نواب الرئيس دائماُ في موقف حرج ، كما أن قرب موعد الانتخابات أدى إلى تعقيد ذلك أيضاً. ولكن في نفس الوقت ، فإن الملايين من الأمريكيين هم إما مرضى أو أنهم يتعافون من كوفيد-19. وتحتاج البلاد في هذا الوقت وبشكل كبير إلى قيادة ثابتة ويتطلب الأمر إشارات واضحة إلى حلفائها وخصومها بأن عمل الحكومة الأمريكية سيستمر بغض النظر عن صحة الرئيس.
ولكن إذا استمر مرض الرئيس ترامب وأصبح متعباً جداً، وستكون هذه هي المرة الأولى منذ عام 2016 ، فسيتعين عليه الاعتراف بأنه لا يستطيع الحكم بمفرده وأنّ عليه التخلي طوعياّ عن السلطة ، ولو بشكل مؤقت لنائبه مايك بنس .
لم تواجه الحكومة الأمريكية كما لم يواجه أي مرشح رئاسي أمريكي ، ناهيك عن الرئيس الحالي الذي يسعى لإعادة انتخابه ، مثل هذه المعضلة من قبل ويجب على كليهما أن يكونا على مستوى التحدي .
المصدر
Foreign Policy