الثورة أون لاين – عبد الحميد غانم :
من يسمع أغنية “سورية يا حبيبتي” عندما تألق الثلاثي الجميل محمد سلمان ونجاح سلام ومحمد جمال في أجمل صورة للتآخي والحس الوطني العروبي في الأغنية، لا بد لذاكرته أن تعود به لأجواء حرب تشرين التحريرية التي أصبحت علامة فارقة ملازمة لتلك المرحلة التي تجلى فيها الاتحاد والتضامن والوحدة الوطنية، وهو ما يستدعي في ذكراها ال 47 الدعوة إلى رص الصفوف والوقوف جنباً إلى جنب في خندق الدفاع عن كيان الوطن وترابه والمهدد بمكوناته الإنسانية والفكرية والطبيعية والاستراتيجية، وأن من صنع حرب وملحمة تشرين قادر اليوم على الصمود وصنع تشارين جديدة ترفع الضيم وتحرر الإرادة وتصنع المستقبل الزاهر.
لقد أحدثت حرب تشرين التحريرية التي بدأت في السادس من تشرين الأول من عام 1973 بقيام جيشي سورية ومصر وبالتعاون مع الجيوش والأشقاء العرب ضد كيان العدو، آثاراً ونتائج كبيرة للغاية هزت العالم أجمع، من مغربه إلى مشرقه. وأصبحت نظرة المجتمع الدولي إلى العرب بعد الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة، في 6 تشرين الأول 1973، تختلف عن نظرته السابقة إليهم، لا سيما تلك التي خلفتها حرب حزيران 1967.
وقد عبر عن هذا الواقع الجديد ميشيل جوبير وزير الخارجية الفرنسية، بقوله: «انتهى عصر ألف ليلة وليلة، وعلينا أن نتعامل مع العرب بعد اليوم على أساس جديد».
ليست ذكرى حرب تشرين التحريرية مناسبة لتمجيد تضحيات جيشنا العربي السوري الباسل فحسب، وإنما لأخذ العبر والدروس التي جسدها الجيش الباسل خلال حرب تشرين التحريرية دفاعاً عن أرض الوطن وكرامة أبناء الأمة، وسطّر ملاحم خالدة ضد العدو الصهيوني، وحقّق الانتصارات الرائعة، وها هو يخوض اليوم معارك العزّ والفخار ضد أعتى عدوان عرفته سورية عبر تاريخها القديم والمعاصر، عدوان التنظيمات الإرهابية التكفيرية المدعومة من قوى الغرب الإمبريالي والصهيونية العالمية، واستطاع ان يصد هجمات الإرهابيين وقوات الغزاة التي تقاتل إلى جانبهم ويكبدها خسائر كبيرة ويدحرها، ويحرر أغلب جغرافيا الوطن من رجسهم.
كما أن هذه الذكرى مناسبة لرصّ الصفوف والتكاتف والالتفاف الوطني حول جيشنا الباسل وقيادته الشجاعة لدحر العدوان واستعادة أمجاد تشرين التحرير بعزيمة لا تلين حتى تحرير آخر شبر من أرض الوطن من دنس الإرهاب التكفيري وإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع سورية.
ستبقى حرب تشرين التحريرية الشعلة المضيئة على درب نضالنا، وسيبقى نهج المقاومة قيمةً مضافة عظيمة لما صنعه الآباء والأجداد في اليرموك وميسلون وتشرين والاستنزاف وجبل الشيخ، فهو السبيل لتحقيق الانتصار الذي يشكل على الدوام عنواناً لعدالة قضيتنا ومعاني البطولة والفداء.
ولعل أهم النتائج التي حققتها حرب تشرين التحريرية، هي تحرير الإرادة العربية وتخليص الشعب العربي من شوائب الضعف واليأس التي علقت به بعد حرب حزيران 1967 فكان من مكاسب المعركة على المستوى القومي استعمال العرب النفط سلاحاً فعالاً في المعركة، وكان لنصر تشرين وللتدابير التي اتخذتها الأقطار العربية المصدّرة للنفط دور بارز في دفع المجتمع الدولي للتحرك باتجاه تنفيذ الحل العادل للصراع العربي – الصهيوني.
لقد كشفت حرب تشرين النقاب عن أن ثمة إمكانات واسعة، على العرب أن يولوها اهتمامهم، على صعيد الثروات الطبيعية الضخمة، وعلى رأسها الثروة النفطية والجغرافيا السياسية والاقتصادية التي تملكها الأقطار العربية.
وعلى الصعيد الدولي، كان لحرب تشرين التحريرية دور بارز عالمياً، ترك آثاراً واضحة، وأحدث تغييرات أساسية في مواقف الكثير من دول العالم ذلك أن المجتمع الدولي لا يمكن أن يتحسس بقضية نام أصحابها لا يحركون ساكناً فعندما هبّ العرب في السادس من تشرين 1973 لتحرير أرضهم استفاق المجتمع الدولي الذي شعر بتقصيره حيال الأمة العربية بعد حرب حزيران 1967.
لقد قُيّمت حرب تشرين على أنها تجربة ثمينة وغنية في تاريخ حركات التحرر، وفي هذا السياق تحمل أهميةً خاصة عملية الربط بين المعركة العسكرية والمعركة السياسية، تلك التي نبّه إليها مؤسس سورية المعاصرة الرئيس حافظ الأسد بقوله: “لا يمكن بأي شكل أو بأي تحليل فصل معركتنا السياسية عن معركتنا العسكرية، لأن الأولى جاءت وليدة الثانية، وهي متلازمة معها ومعتمدة عليها، ولقد حقّقنا بصمودنا في المعركة العسكرية نتائج مجيدة حطّمت كل الأساطير التي نسجها العدو من حوله، ونحن قادرون أيضاً بالصمود والثقة بالنفس والتماسك القوي في الجبهة الداخلية، وبالتلاحم المتين مع أمتنا العربية، أن نحقّق النجاح في المعركة السياسية، ونجاحنا في هذه المعركة يكون إما ببلوغ الأهداف التي قاتلنا من أجلها، وإما بالقول لا بإباء وشمم إذا واجهنا تلاعباً أو مراوغة أو تهرباً من تطبيق قرار مجلس الأمن حسب ما فهمناه”.
لقد أعادت حرب تشرين التحريرية للإنسان العربي وجهه الأصيل، وهذا الإنجاز الذي جسّدته حرب تشرين التحريرية المجيدة كان وحده هو الدافع لتعاظم معسكر الصمود والممانعة، وبروز قوى مقاومة وطنية تختلف كثيراً عن سابقتها في المضمون والشكل والجوهر كماردٍ في وجه الاحتلال الصهيوني في فلسطين ولبنان.
واختم بحديث للسيد الرئيس بشار الأسد الذي أكد فيه، أن الشعب السوري هو الذي صنع حرب تشرين بصموده وباحتضانه للقوات المسلحة التي تعد صانعة تاريخ سورية منذ الاستقلال بكل التفاصيل العسكرية منها والسياسية حيث قال الرئيس الأسد: اليوم ينظر الشعب السوري إلى هذه القوات المسلحة أيضاً النظرة نفسها التي نظر إليها عبر تاريخه بعد الاستقلال، هي نظرة الأمل في أن تتمكن من دحر الإرهابيين وإعادة الأمن والأمان إلى سورية.