الثورة – عبد الحليم سعود:
تخطو سوريا خطوات حثيثة وواثقة على طريق التعافي والنهوض سياسياً واقتصادياً، فعلى مدى الأشهر القليلة التي أعقبت انتصار الثورة السورية وسقوط النظام الديكتاتوري، شهدت دمشق العديد من الزيارات والأنشطة والتحركات التي تعكس رغبة عربية وإقليمية ودولية في مد يد العون والتعاون مع الدولة السورية، في إطار المساهمة ودعم جهودها في التخلص من الآثار الكارثية التي تركها النظام المخلوع، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب.
وقد عكس التوقيع أمس في قصر الشعب بدمشق على العديد من مذكرات التفاهم الاستثمارية مع عدد من الشركات الدولية، تتضمن إقامة مشروعات استراتيجية تصل قيمتها الإجمالية إلى 14 مليار دولار، رغبة الدولة السورية بالتأكيد على أن هذه المشاريع ليست مجرد استثمارات مالية واقتصادية، بل هي تمثل جسور ثقة بين سوريا والمستثمرين حول العالم، وكذلك الالتزام بتوفير بيئة قانونية مستقرة تجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية.
وكانت سوريا وقعت في تموز الماضي اتفاقات استثمارية قيمتها 6.4 مليار دولار مع المملكة العربية السعودية الشقيقة في إطار سعيها لإعادة إعمار ما دمرته الحرب.
كما وقعت أيضاً اتفاقاً بقيمة 800 مليون دولار مع شركة موانئ دبي العالمية لتطوير ميناء طرطوس، وكان شهر أيار الماضي قد شهد توقيع اتفاق بشأن الطاقة بقيمة سبعة مليارات دولار مع اتحاد شركات قطرية وتركية وأميركية في إطار السعي لإحياء قطاع الطاقة المنهك.
ولعل ما يعطي قيمة وأهمية بالغة لهذه الاتفاقيات الاستثمارية وهذه الأنشطة الاقتصادية العملاقة ويجعلها أمراً واقعاً في وقت قريب، هو قيام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتوقيع أمر إنهاء العقوبات المفروضة على سوريا تحت عنوان “قانون قيصر”، حيث كانت العقوبات الأميركية أكبر العوائق أمام الحكومة السورية لمعالجة الوضع الكارثي الذي خلفته حرب النظام البائد على شعبه.
من المؤكد أن حجم الاستثمارات التي تم الحديث عنها حتى اليوم مايزال متواضعاً إذا ما تمت مقارنتها بما تحتاجه سورية عموماً لطي ملف الحرب وآثارها الكارثية، حيث قدرت الأمم المتحدة في وقت سابق تكاليف إعادة الإعمار بأكثر من 400 مليار دولار.
وقياساً بالفترة القصيرة التي مضت على تشكيل الحكومة وبدء العهد الجديد يمكن القول بأنها انطلاقة مبشرة، على سكة التعافي والنهوض والازدهار، وإذا ما ترافقت هذه الانطلاقة بمعالجة سياسية للوضع في محافظة السويداء، وفي الوقت نفسه وضع حد للعدوانية والتدخل الإسرائيلي الفظ في الشؤون الداخلية السورية، إضافة لانعاش وإحياء اتفاق العاشر من آذار مع “قسد” في الجزيرة السورية، يمكن الجزم بأن سوريا ستحقق قفزة نوعية في كل المجالات وخلال فترة وجيزة.
رئيس هيئة الاستثمار السورية طلال الهلالي أكد في حديث لوكالة سانا: “أن المشاريع التي تم الاتفاق عليها ستمتد عبر سوريا لتشكل نقلة نوعية في البنية التحتية والحياة الاقتصادية”.
لعل الأمر الأكثر أهمية الذي يمكن التطرق له هو أن ما جرى من اتفاقات في الأشهر الماضية يعكس تحولاً في المزاج السياسي الدولي نحو الدولة سورية الجديدة، ويعكس ثقة في المرحلة القادمة، وهو ما يبعث على الطمأنينة والأمل بأن سوريا ستكون كما يشتهي أبناؤها ويتمنون.