الثورة – منهل إبراهيم:
تمر سوريا في هذه الفترة بمنعطف تاريخي مهم، وهي بحاجة إلى جميع أبنائها في هذه اللحظات المصيرية، من أجل تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني، الأمر الذي يتطلب تغليب لغة العقل والمصلحة الوطنية، والخروج من المصالح الضيقة للبعض نحو دعم مؤسسات الدولة القادرة وحدها على حماية مواطنيها، وسلوك أقصر الطرق نحو المستقبل والبناء والتعافي.
وتدرك الدول الشقيقة والصديقة التي تدعم سوريا، أن تعافي الأخيرة لا يمكن أن يتحقق من الخارج فحسب، وعبر الدعم المالي والسياسي، بل يجب أن يبدأ بقوة من الداخل بالتفاف السوريين في هذه المرحلة الدقيقة حول حكومتهم وقيادتهم، وأي شيء أقل من ذلك لن يؤدي إلا إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار، وتشجيع المزيد من التدخلات الخارجية والفوضى.
وليس هنالك أسوأ من عدم الاستقرار، وإتاحة الفرص أمام أعداء سوريا، للتدخل في شؤونها، إذ هو الطريق نحو التشرذم، وتأخير التعافي، ويهدد بتحويل سوريا إلى منطقة نزاعات وتدخلات خارجية لانهاية لها.
من جهتها الحكومة السورية تؤكد أنه لا يمكن تحقيق الاستقرار في البلاد إلا بتعاون جميع السوريين وتكاتفهم، وهذا يتطلب جهداً وطنياً متجذراً في النفوس، يدعم الشرعية والتغيير والتجديد المؤسساتي، وتجاوز إرث النظام المخلوع.
وفي هذا المنحى أيضاً، يؤكد المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس باراك بأن مستقبل سوريا المزدهر والسلمي يقع على عاتق السوريين، وشركائهم الإقليميين، وطريق التعافي في سوريا يجب أن يبدأ بخطوات لبناء أساس من الأمن والاستقرار، وتأسيس الأنظمة الحكومية ثم انطلاق الأعمال والازدهار.
وتتجه سوريا نحو إدارة الأزمات بهدوء وصبر استراتيجي، وتتجنب التصعيد، في خطوة تعكس تطلعات القيادة السورية نحو لم شمل السوريين وخصوصاً بعد معاناة استمرت لعقود، بعيداً عن تحقيق مكاسب ضيقة، عبر مشروع إصلاحي، وخارطة طريق وطنية.
وبات من الواضح أن الحكومة تريد توفير نموذج من الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني الدائم والقوي، وليس استقراراً هشاً تحت عناوين شاذة على المدى القصير، يفتقر إلى أسس مؤسساتية متينة مستدامة، بحيث لا يشكل هذا خطراً على مستقبل سوريا والمنطقة.
والأخطر في المشهد السياسي والعسكري في المنطقة هو التدخلات الإسرائيلية، فتدخل إسرائيل في أحداث السويداء حمل دلالة شاذة، وكسر حواجز المعقول، ولم يعد يُنظر إلى إسرائيل كخصم فحسب، بل أصبحت الآن طرفاً متدخلاً بشكل سافر في الخصوصية الداخلية السورية، وتريد فرض نفسها كلاعب على الأرض السورية، وهذا مخالف للقوانين والأعراف الدولية، ولن يرضى به السوريون.
السلوك العدواني الإسرائيلي الموصوف، والانتهاكات لحرمة الأراضي السورية وخصوصية الدولة، وشؤونها الداخلية، له تداعياته السلبية على أمن المنطقة وتوازناتها المستقبلية، فهو يُظهر ضعف الخطاب السياسي الإسرائيلي، وركون الاحتلال للقوة الغاشمة، وسوريا لا تفصل الاستقرار عن السيادة، وتسعى لتثبيت التوازن الإقليمي، نظراً لأهميته على استقرار سوريا والمنطقة، والعالم أيضاً.
سوريا اليوم.. قوية بشعبها وقيادتها وقادرة على تجاوز الصعوبات والتحديات المستمرة، ولن تنهار، وستتجاوز كل الأمراض التي ورثتها عن النظام البائد، ولن تكون المسافة لبلوغ مرحلة الشفاء والتعافي طويلة، ولن يتم السماح بتفتت الهوية الوطنية السورية إذا استمر هذا الزخم السياسي والاقتصادي، ولن تكون سوريا بعد الآن الدولة التي تتراجع للوراء، بل للتقدم السريع نحو المستقبل والبناء وإعادة الإعمار والتنمية.