الثورة أون لاين – ترجمة ختام أحمد
رغم مرور خمسة وسبعين عاماً على هزيمة الفاشية في جميع أنحاء العالم وتشكيل الأمم المتحدة، فإن تلك التيارات الخبيثة قد عادت إلى الظهور ، ويبدو أن الجغرافية السياسية قد عادت إلى هذه الديناميكيات المدمرة والكارثية المحتملة ، فهل النظر إلى الخلف أو “الدوران للخلف” هو تعبير خاطئ؟!.
ربما لم يترك العالم قط رماد الفاشية والحرب العالمية الثانية خلفه بالكامل ، الموت المفترض للفاشية تبعته ولادة الحرب الباردة ، وهذان ليسا حدثين منفصلين ، إنهما مترابطان ومتشابهان – مجرد أعراض مختلفة لنفس الأمراض.
انعقدت الدورة الخامسة والسبعون للجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الشهر الفائت في مقرها بنيويورك في ظل ظروف تنذر بالسوء ، لأول مرة في تاريخ المنظمة العالمية ، تغيب المندوبون إلى حد كبير بسبب جائحة فيروس كورونا التي اجتاحت معظم دول العالم البالغ عددها 193 دولة، خاطب قادة العالم المنتدى عبر مؤتمرات الفيديو عن بعد من بلدانهم ، بدلاً من الصعود إلى المنصة في نيويورك ، افتتح أنطونيو غوتيريس ، الأمين العام التاسع للأمم المتحدة ، الجلسة بنداء عاجل للولايات المتحدة والصين لتجنب تصعيد الحرب الباردة ، وحذر من أنه في الوقت الذي يهدد فيه الوباء بالفقر والمجاعة وتزايد عدد القتلى ، لا يستطيع العالم تحمل مواجهة عملاقة بين أكبر اقتصادين وطنيين.
وكان من بين قادة العالم الذين تحدثوا في المنتدى الدولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والصيني شي جين بينغ ، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ففي حين كان خطابا الرئيسين، شي وبوتين، يتصفان بروح ونبرة تتناسب مع التركيز على التضامن والتعاون والسلام، ذهب ترامب إلى خطاب يفيض بالحقد و تبادل الاتهامات والنزعة العسكرية والغطرسة القومية ، متجاهلاً تماماً النداءات لتجنب الحرب الباردة ، كما انغمس الرئيس الأمريكي في استفزازات مروعة ضد الصين ، متهماً الأخيرة بإطلاق العنان للوباء في العالم ، والذي أشار إليه بسخرية باسم “فيروس الصين” و “الطاعون”، كما فعلت إدارته مراراً وتكراراً خلال الأشهر الأخيرة و طالب ترامب العالم بمحاسبة الصين .
لقد أشعلت واشنطن حرباً باردة جديدة مع الصين تشبه إلى حد كبير المواجهة التي دامت عقوداً بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي سابقاً ، إن تسييس جائحة الفيروس التاجي من قبل إدارة ترامب هي مجرد وكيل لمواجهة جيوسياسية أوسع نطاقا تتبعها الولايات المتحدة ضد الصين ، وهذا ينبع من التراجع الملحوظ في القوة العالمية الأمريكية ، فالاستقطاب المتهور للجغرافية السياسية من قبل واشنطن يقوض الأمن الدولي ويزيد بشكل كبير من خطر اندلاع حرب عالمية جديدة ، حرب من شأنها أن تتصاعد بلا شك إلى حريق نووي ، ما تفعله إدارة ترامب هو بمثابة هوس إجرامي ، ومع ذلك ، هناك الكثير من الأسباب للاعتقاد بأن الإدارة الأمريكية البديلة ستفعل الشيء نفسه ، وإن كان ذلك ربما بأجندة أو أسلوب سياسي مختلف.
بالنسبة للقوة الأمريكية العالمية تبدو مبرمجة بطبيعتها على العسكرة والعداء ، هذه المظاهر الشائنة هي نتيجة طبيعية للافتراضات الأمريكية بأنها قوة عالمية “استثنائية” تقوم على الهيمنة على الكوكب بأسره.
ذكّر الرئيسان – شي وبوتين – العالم في خطابيهما بأن الأمم المتحدة تشكلت بعد الهزيمة التاريخية للفاشية الدولية ، كان من المفترض أن تحل الهيئة العالمية المشكلة حديثًا في عام 1945 محل عصبة الأمم المنحلة التي فشلت في منع الحرب العالمية الثانية ، وقد كرّس ميثاق الأمم المتحدة مبادئ احترام سيادة الدول وعدم الاعتداء على أي دولة أخرى ، إن أي مراقب عادل سيلاحظ أن كلاً من الزعيمين الصيني والروسي جسدا تعبيراً معاصراً عن الرؤية التأسيسية للأمم المتحدة ، بعد أن حثا دول العالم على العمل مع الشراكة والاحترام المتبادلين لضمان السلام والتقدم من أجل تحسين البشرية .
فقد أكد شي بشكل خاص على الحاجة إلى التعاون للتغلب على جائحة فيروس كورونا ، فيما أكد بوتين في خطابه على ضرورة خفض أسلحة الدمار الشامل ، وعلى النقيض من ذلك ، كان خطاب ترامب خالياً من الشهامة والرحمة ، لقد كانت خطبته مليئة بالعداء تجاه الصين مدفوعة باتهامات ساخرة لا أساس لها من الصحة ، وكذلك مليئة بالنزعة العسكرية الأمريكية والغطرسة ، لقد كان عرضاً غير عادي للعدوان السافر الذي يرفض بشكل صارخ مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والغرض التاريخي التأسيسي للمنظمة العالمية.
يبدو من المدهش أنه في الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الأمم المتحدة ، يمكن لزعيم عالمي أن يلقي خطاباً دنيئاً لم يكن مجرد نبرة صماء للمناسبة، ولكنه أعلن في الواقع نقيض مبادئ تأسيسها ، على المرء أن يقول إن الأمم المتحدة فشلت من نواح كثيرة في الالتزام بمبادئها النبيلة على مدى 75 عاما من تاريخها.
ومع ذلك ، لا يوجد سبب للتخلي عن التزامات الأمم المتحدة وتطلعاتها ، الرئيسان شي وبوتين من بين قادة العالم الآخرين ، محقون في البقاء مخلصون للأهداف التأسيسية للأمم المتحدة، ولكن الحقيقة القاسية هي أن الأمم المتحدة فشلت في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين على مدى العقود السبعة الماضية، فقد اندلعت حروب لا تعد ولا تحصى خلال هذه الفترة مع فقدان وخسارة عشرات الملايين من البشر أرواحهم، كما ودمرت بلدان بأكملها.
من الواضح، أن الولايات المتحدة هي الممول الرئيسي لهذه الحروب التي شُنت تحت ذرائع كاذبة وغريبة، مثل “الدفاع عن الديمقراطية” أو “حماية حقوق الإنسان”. عمليا في كل حالة، انتهكت واشنطن السيادة الوطنية ومبدأ عدم الاعتداء، وفي مناسبات عديدة كانت الأمم المتحدة غير فعالة في منع الحروب بإجبار الولايات المتحدة على الالتزام بميثاق الأمم المتحدة، كما حرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون على الحرب الباردة فور انتهاء الحرب العالمية الثانية كوسيلة لمواجهة الاتحاد السوفييتي، واليوم تكرر الولايات المتحدة نفس الهدف المتمثل في استقطاب العالم بحرب باردة جديدة ضد الصين.
إذا كان هناك إحساس بالظلم من العديد من دول العالم فذلك لأن إجرام الإمبريالية الأمريكية لم يُحاسب قط وهيئة الأمم المتحدة تغض النظر عن أفعال وإجرام الإدارات الأمريكية السابقة والحالية، إن ادعاءات الإدارة الأمريكية بالنبل والفضيلة هي غطاء لنوع من الفوضى التي كان من المفترض أن يتم هزيمتها في الحرب العالمية الثانية.
ترامب ليس سوى نسخة غير مصطنعة من نفس النوع من إجرام الحرب الأمريكية الذي كان موجودًا – على الرغم من أنه مقنع بشكل أفضل – على مدار الـ 75 عامًا الماضية، هناك سبب حقيقي لعدم قدرة ترامب على إلقاء خطاب مناسب في الأمم المتحدة، العجز نابع من فائض القوة الأمريكية، لحسن الحظ هذه القوة في حالة تدهور نهائي وبقية العالم سيتغلب في النهاية على هذا الانحراف.
ربما خلال السنوات الـ 75 المقبلة، قد تتحقق رؤية الأمم المتحدة بالفعل، ولكن إذا كان هذا سيحدث، يجب استبدال القوة الإمبريالية الرأسمالية الأمريكية كما هي لتتوافق أخيرًا مع المبادئ الديمقراطية والقانونية وميثاق الأمم المتحدة، فالفاشية لم تهزم بالكامل في الحرب العالمية الثانية على الرغم من التضحية البطولية الهائلة التي قدمها الملايين، والآن حان الوقت للتخلص منها.
عن strategic culture