“ملف غوغل” فوضى النشر وهشاشته

 الملحق الثقافي:

ليست تجربة عابرة، ولا عادية أن ترى كل يوم مئات بل آلاف الصفحات التي تعنى بنشر ما يسمى إبداعاً شعرياً، كل يزج بما لديه، فأي ذنب اقترفه العالم الأزرق حتى غدونا هكذا؟
لماذا الكل شعراء، وهل ماتت منابرنا الشعرية والثقافية، وحل الفضاء محل الإعلام الثقافي، أو بصيغة ثانية: هل هو إعلام ثقافي فعلاً؟
دعونا نتابع ماذا يقول عنه الغرب، ومن ثم لنعود إلى عوالمه التي لاغنى عنها.
بكل بساطة يمكننا أن نقول: ها قد جاء الزمن الذي تمناه الكثيرون، ممن كان العمل الصعب والقاسي يأكل أيامهم، ويحفر خدود الألم في شرايينهم، ويترك بصماته على الوجوه، تمنوا أن يستريح الإنسان من عناء الكثير من الأشياء، أن يجد من يفكر عنه، وينفذ، من يأخذ الكثير من القرارات عنه، ها قد جاء هذا الزمن اليوم، نراه نعيشه، كل ثانية فيه تعني أننا خارج الفعل الحقيقي، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، لو كان هؤلاء الذين تمنوا أن يعيشوا هذا الزمن، لو كانوا أحياء ورؤوا هذا الواقع الذي يعني المسخ والاستلاب، هل يرضون به؟
هل يرضون أن يقف أمامهم من يصرخ: لا تفكر، نحن نفكر عنك، لا تبحث عن سوق أو متجر، نحن ندلك عليه، لا تستعد ذكرياتك نحن نعيدها لك، لا، لا، تفعل ولا ذاك كله نحن أعددناه لك، هل يرضون بهذا المسخ، بل ربما يطرحون السؤال الحقيقي: ما الذي يجعل هؤلاء يفكرون عنا، ولماذا وكيف، هل هم مؤسسات خيرية، توزع مالها علينا، لا بد أن يطرح السؤال: لماذا مقابل ماذا؟
إمبراطورية غوغل التي غدت الإمبراطورية بحجم الكون، ما من بيت إلا ودخلته بشكل أو بآخر، لم تترك صغيراً أو كبيراً إلا وهي تفكر عنه، تتدخل بسلوكه وحياته، من المحمول، إلى كل التقنيات التي نستخدمها، غوغل موجودة، هي أو مشنقاتها، صارت لون وجهد ودمك وحياتك ومستودع أسرارك، هذا، بل أكثر، هي ذاتها سوف تعطيك الجواب إذا ما سألت: ما الثمن الذي علينا أن ندفعه مقابل هذا كله؟

ملف غوغل
في الكتاب المهم جداً الذي حمل عنوان “ملف غوغل” تأليف: تورستن وأولريشن نوفاك، وصدر عن سلسلة المعرفة الكويتية، ترجمه إلى العربية عدنان عباس علي، العام الماضي، ستجد الجواب واضحاً جلياً، بلا لبس، ألا وهو: البيانات هي بترول العصر الحديث، نعم البيانات التي تقدمه أنت اسمك وعملك مكان ولادتك، هوايتك، حزنك، فرحك، كل ما تدونه على صفحات هذا العالم الأزرق، هو بياناتك، وهو ذو ثمن غال جداً، نعم، هو بترول العصر، ونهر لا يتدفق، البيع مباشر أو غير مباشر، الكل معني بهذه البيانات من أجهزة المخابرات إلى معامل الأدوية، إلى الشركات الصناعة، إلى المتاجر؛ كله يريد هذه البيانات ليوظفها كما يحلو له، ولتكون أنت السلعة التي يعاد إنتاجها كما كنت تريد، ولكنك مستلب بكل شيء. يقول المؤلفان: إن الحسنات الناجمة عن المعلومات والمنتجات الرقمية المكيفة مع احتياجاتنا الفردية، تفقد أهميتها حالما نفكر في ان البيانات التي ندلي بها يمكن أن تسهل مراقبتنا، وأن تجعل منا أناساً شفافين، كأننا من زجاج.
نعم لقد غيرت غوغل حياتنا، وغدونا أرقاماً وصفحات عالم أزرق تضخ كل ما يخصها، وثمة من يتلقف ويعمل على هذا الأساس، هم من وراء البحار يقودون كل شيء، مربوطون نحن بحبل الوهم المسمى حرية في فضاء الأزرق ونشتم ونسب، نشكر، نطبل نهلل، نروي نكاتاً وقصصاً، نعبث بلغتنا، نهاجم هذا وذاك، نروي حكايات الألم والموت والعجز، ننبش تراثنا العفن في الكثير من جوانبه، ونتقاتل على بقايا تمرة، نتصارع طائفياً، نرسخ البعد بيننا. كله هنا على هذا العالم الأزرق، ونهر من البيانات يتدفق ليصب هناك حيث تتربص بنا دوائر صنع القرار، تتخذ ما يجب أن يتخذ، تحلل الشخصيات والمشاكل، وتعد الخطط للتنفيذ، ليس للعلاج أبداً، بل لضخ المزيد من الحطب على النار التي أشعلناها. لم يعد ثمة حاجة إلى الجواسيس لجمع المعطيات، نحن نقوم بذلك طوعاً، لم يعد بحاجة لجيوش جرارة تأتي، نحن جنود الاحتراب الذاتي، لا حاجة للعطالة عن العمل ومنه، نحن نفعل ذلك.
فلو قام أحدنا باحتساب ما يقضيه وراء هذا الأزرق وما يضخه من بيانات ومعلومات، لأصابه الدوار. هنا الاستلاب، وهنا الفعل الذي تظنه حقيقياً، ولكنك وقوده. قد يقول قائل: لكن غوغل وفر مليارات المعلومات، سهلها، نعم، هذا صحيح، ولكن لمن يعرف كيف يحصن قيمه وفكره وثقافته: مثلاً حاول أن تبحث عن سورية اليوم في محرك البحث غوغل، ماذا ستجد، سأترك الأمر لك.
ضع على محرك البحث غوغل (مقاومة أو إرهاب) ماذا ستجد، هل تستطيع أن تترك طفلك وحده يخوض غمار البحث في هذا الفضاء الأزرق؟
سؤال موجه للجميع في هذا الشرق البائس المقاد إلكترونياً إلى حتفه، الجواب عندنا: نعم نتركه، ولكنهم حيث اخترعوا الإنترنت يقولون بكل ثقة: إن الإنترنت هو تجربة فوضوية عرفها العالم، ونضيف إلى ذلك أنهم يقولون لك أيضاً: نعرف أين أنت بل بماذا تفكر، ونقودك إلى حيث تمضي. ولن تصدم إذا ما نقلنا عن مؤلفي الكتاب قولهم إن مؤسسي غوغل يتلقون الشكر الدائم من وكالة الأمن القومي الأميركي على ما يقدمونه من بيانات.
وسنضيف إلى ما تقدم خبر تلك الدراسة التي أعلن عنها في بريطانيا منذ عدة أيام ومفادها: أن مواليد ما بعد 1995 مصابون بهشاشة العقل، لأنهم أبناء التقنية التي تفكر عنهم، والدول الحقيقية هي التي تنقذ أجيالها من الإصابة بهذه الهشاشة. فما بالكم بنا في هذا الشرق، ونحن قبل الهشاشة كنا مأزومين، فما العمل؟

التاريخ: الثلاثاء13-10-2020

رقم العدد :1016

 

آخر الأخبار
الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها