الملحق الثقافي:سلام الفاضل:
الناقل للشر كالمروج له، هكذا ينظر البعض للإعلاميين الذين ينشرون على الناس أنباء الجرائم والحوادث والأزمات والحروب والكوارث وما شابه ذلك، وهي نظرة ظالمة بلا شك إذا أخذ الأمر على إطلاقه، فالإعلامي العارف بأصول رسالته هو في الواقع في حيرة من أمره بين النقل الأمين للحدث، وبين ما يثيره من ردود أفعال قد تكون سلبية في بعض الأحوال.
وحيرة الصحفي لا تقف عند هذا الحد أحياناً، بل إن للمسألة بُعداً آخر يتصل بملكة الإعلامي ورفضه أن يكون مجرد آلة صماء لا عقل لها ولا تمييز، ورغبته في أن يُعمِل فكره ورأيه، وأن يجتهد حيث يرى أن للاجتهاد محلاً أو مبرراً ضمن الحدود التي لا تأخذه بعيداً عن رسالته الإعلامية.
وفي ظل هذا الزخم تبرق عين المشكلة، فبين النقل وما يتركه من ردود أفعال، والعقل وما يسفر عنه من اجتهاد، يلعب الحدث لعبته، وينشط تأثيره فيأخذ الصحفي في بعض الأحيان إلى وجهة قد لا يرتضيها هو شخصياً، وقد تأباها أصول مهنته.
وضمن هذا السياق سننتقل في هذا المقال مع الصحافة حيث تأخذها الأزمات، وسنقف عند أربعة أنواع منها، وهي: “صحافة الرصد، وصحافة التحليل، وصحافة التصعيد، وصحافة التنبؤ”، وذلك كما جاءت في الدراسة التي قدمتها د. مانيا سويد، وحملت عنوان (صحافة الأزمة)، وصدرت عن الهيئة العامة السورية للكتاب.
صحافة الرصد
ويقصد بها الكتابات الصحفية التي تقوم بنقل الواقع كما هو إلى جمهور المتلقين من دون تعديل سواء بالحذف أو الإضافة، فدورها يشبه دور المصور الفوتوغرافي مع الاختلاف في الطبيعة. ولا يعدُّ هذا النوع من الكتابات الصحفية مرفوضاً في جميع الأحوال، إذ يمكن قبوله، بل وتشجيعه إذا كان لأهداف تتعلق بنقل الأخبار والمعلومات وتصحيحها لدى جمهور القرّاء، ولكن ضمن الحدود التي لا تثير الأزمات، أو تزيدها تأزماً.
وتُمارَس صحافة الرصد عادة على مرحلتين أساسيتين، تتعلق الأولى منهما باتخاذ القرار، حيث يكون على الصحفي أن يقرر ما إذا كان سيخوض التجربة ويتناول القضية التي رصدها، أم أنه سيفضل الابتعاد وعدم التعرض لها. وتأتي المرحلة الثانية عقب اتخاذ الصحفي قراره بخوض التجربة، وترتبط هذه المرحلة باختيار الزاوية أو الزوايا التي سينقل من خلالها الأحداث، والتي قد تتركه في حيرة بين انتقاء الزاوية المناسبة التي تظهر حرفيته، والتي قد تتعارض مع خطط إدارة الأزمة أو تعرقلها.
ولكي يتخلص الصحفي من هذه الحيرة التي قد يثيرها الفرض السابق، ويحقق لنفسه الهدف من رسالته الإعلامية، نرى أن بعض الصحفيين يلجؤون إلى مصطلح المواءمة حيث يجرون عملية أولية يجدون بمقتضاها شكلاً أو آخر من التوفيق بين ما يريدون نشره، وبين الاعتبارات المتعلقة بالمصلحة العامة.
صحافة التحليل
وهي الكتابات الصحفية التي يقتصر موقفها بصدد أزمة ما على التحليلات التي يغيب فيها الدور المفعل للصحافة ضمن فريق إدارة الأزمة. وتحليل الفكرة يعتمد في الغالب على منطق التفتيت، أو التفكيك، أو الانتقال من الكليات إلى الجزئيات شيئاً فشيئاً حتى يصل الأمر في بعض الصور إلى حد الاختفاء، أو التلاشي، أو التشتت ظاهرياً إذا بلغ التفتيت مبلغه، وأدخلت على تلك الجزئيات عناصر خارجة عن أصلها.
فالصورة هنا تشبه إلى حدٍّ ما يحدث في المختبرات الكيميائية، وبالانتقال إلى ميدان العمل الصحفي، فإننا سنواجَه بأحد خيارين؛ إما أن يقوم المحلل الصحفي بعملية التحليل النمطية فيتوقف عند مرحلة تفكيك الموضوع، واستخراج عناصره المكونة له، ومن ثم يقدم ما يراه من تفاسير ومسببات وآثار وتوقعات، وما يراه من حلول. وإما أن يتجاوز المحلل الصحفي هذه المرحلة إلى ما هو أبعد، ويمضي قدماً في المزيد من التحليل، ويدخل عناصر جديدة إلى ما بين يديه من مخرجات، لتكون المحصلة فكراً آخر يبدو ظاهرياً أنه منقطع الصلة بأصل المسألة، وتظهر الصورة كما لو كانت لغزاً لا يملك مفاتيحه إلا هذا المحلل الصحفي نفسه.
صحافة التصعيد
وهي الكتابات الصحفية التي تتعامل مع أزمة ما ليس انطلاقاً من الدور الذي ينبغي على الصحافة أن تقوم به، ولكن من خلال التأثير في الأزمة بتصعيدها، وزيادة حجمها، أو حجم الآثار الناجمة عنها، سواء عن عمد أو من دون قصد، وسواء عن حسن نية أو سوء نية، الأمر الذي يترتب عليه أحياناً غياب الدور الحقيقي الذي يجب أن يقوم به الصحفي بتبني القضايا من أجل التأثير فيها إيجاباً، وليس العكس.
ولا يعدُّ سلوك المبالغة، ثم التصعيد سلوكاً مرفوضاً في جميع الأحوال والمواقف، بل إن هذا السلوك يعدُّ في بعض الأحيان السلوك الأنسب لتحقيق هدف معين ما دامت الأمور تجري في إطار من المشروعية التي تُراعى فيها مجمل الأصول والمبادئ التي يقوم عليها المجتمع في زمان ومكان محددين، ويشمل ذلك جملة من الاعتبارات التي يقوم عليها المجتمع كالتشريعات والعادات والتقاليد، والذوق العام والموروثات، والأعراف والشرائع الدينية التي يعد الخروج عليها أمراً مرفوضاً لا يقبله المجتمع.
وبناء على ما سبق يمكن القول إن للصحفي حرية التصعيد في الموضوع الذي يتصدى له ما دام يفعل ذلك في حدود مراعاة الاعتبارات التي يقوم عليها المجتمع. ويعدّ التصعيد السلبي من وتيرة الأزمة حال التصدي لها من جانب الصحفي خروجاً على تلك الاعتبارات، وبالتالي يجعل العمل الذي يقوم به مشوباً بعدم المشروعية الاجتماعية.
صحافة التنبؤ
وهي الكتابات الصحفية التي تحوي توقعات عن المستقبل في مسألة ما، سواء بالتصريح بذلك في صلب العمل الصحفي، أو بالتلميح له بصورة غير مباشرة بحيث يفهم من السياق.
وقد يجد الصحفي قلمه يتجه في وقت الأزمات، عن غير قصد، نحو التنبؤ بأحداث ووقائع وآثار لها علاقة بالمسألة التي يعرضها، لكنها في الواقع مجرد تخمينات أو افتراضات لا تستند على أدلة أو شواهد تؤكدها. وعليه، ومن باب الإنصاف، يمكن اعتبار أن الكثير من الصيغ الصحفية التنبؤية تأتي نتيجة تطور غير مقصود في خطاب حث المعنيين على مواجهة الأزمة، وذلك بالمبالغة، وعدم الدقة في عرض مخاطرها، حتى يصل الوضع إلى التنبؤ بالمعنى السابق ذكره.
التاريخ: الثلاثاء13-10-2020
رقم العدد :1016