الصورة والمشاهد المتلاحقة المؤلمة لنيران مستعرة بكل جبروتها أكلت كل ماتصادفه في طريقها ، وتحصد الأخضر واليابس من أشجار وغابات متعددة الأسماء والفوائد كانت بحدّ ذاتها كنزاً من كنوز الغطاء النباتي وجمال الطبيعة الساحرة في مناطق مختلفة، ومساحات واسعة من أشجار الزيتون والحمضيات وغيرها لطالما كانت حلم أصحابها وأملهم في موسم تعلق عليه الأنظار في سد الاحتياجات والمتطلبات ولو بأبسط الأشكال.
تلك الصور والمشاهد وبكل ما اختزنته من دلالات لاشك ستبقى عالقة في أذهان كل من رأى وسمع عن حرائق ضخمة في أرياف محافظات حمص واللاذقية وطرطوس ، حيث أحرقت القلوب وأدمعت العيون برؤية أشجار باسقة معمرة تحترق ونار احتراقها تأخذ معها ما تأخذه من زرع وثمر وتعب وجهود أسر لسنين خلت كانت تلك الحقول والبساتين محور رعايتها واهتمامها لتعطي أكثر وأكثر ، ولتتحول بلحظات إلى مجرد رماد لا أكثر.
وبالرغم من تعدد أسباب تلك الحرائق والتي كانت علامة مؤكدة لكثير من التقصير والإهمال في حماية تلك الغابات والعناية بالمناطق الحراجية وعدم تخديمها ببنية تحتية مناسبة سواء بشق الطرق الزراعية وإنشاء الأحواض والخزانات المائية، أو حراستها ومراقبتها للوقاية ما أمكن من الحرائق ، إضافة للنقص الكبير في المستلزمات والآليات والمعدات التي من المفروض أن تكون جاهزة باستمرار.
بقي المشهد الأهم والملفت هو اللهفة المجتمعية بين سكان القرى ومؤازرة بعضهم البعض في مد يد العون ، وبسالة عناصر من الجيش العربي السوري ورجال الدفاع المدني في المشاركة في إخماد الحرائق ، إضافة للمشاركة المجتمعية من مختلف المحافظات بفرق تطوعية ومساهمات خيرية لكثير من الجمعيات والأشخاص، وكذلك توجيهات الجهات المعنية لتقديم كافة أشكال الدعم والمساعدة لسكان المناطق التي أنكبها الحريق.
ومع الاصرار والعزيمة على إعادة استصلاح تلك الأراضي وتشجير المساحات الواسعة التي التهمتها النيران ، ومع ضرورة قيام الجهات المعنية بواجباتها ومسؤولياتها في الاهتمام والمتابعة والعمل الجاد على جميع الأصعدة لتقديم أفضل الخدمات والاحساس العالي بالمسؤولية الوطنية وحب الوطن ، وبالعمل والأمل والإرادة الصلبة يعود الغطاء الأخضر أفضل مما كان وتبقى سورية على الدوام بهمة قائدها وبسالة جيشها وإرادة شعبها رمز الخير والعطاء ، وهي بعد أي نار و حريق وبالرغم من كل الصعاب أقوى من الحريق.
حديث الناس – مريم إبراهيم