الثورة أون لاين – ليندا ابراهيم:
وبعد وبالرغم من أن الموضوع أثار خضَّةً في الأوساط الثقافيَّة والأدبيَّة، وخاصة في الصالونات الأدبية المتخصِّصة، وهو فوز الشَّاعرة الأميركية “لويز غلوك” بجائزة نوبل للآداب للعام 2020، خاصة أن الشاعرة كانت خافتة الصَّوت بالنسبة لجغرافية الأدب والترجمة والتواجد في العالم العربي وفي أواسط آسيا وإفريقيا، بل وبالنسبة للمتلقي العربي البسيط، ويمكن القول إنه دائماً ثمة أحاديث ضمن أوساط النقَّاد والمهتمِّين والشَّاغلين في الأوساط الأدبيَّة والأكاديميَّة بالعموم، بأنَّ ثمةَ اعتباراتٍ غيرَ أدبية وغيرَ ثقافية وغير إبداعية، تتحكَّم في منح هذه الجائزة، خاصةً وأنها في عنوانها العريض تَفْصِحُ عن أن الجائزة تُمْنَحُ لمن قدَّم أعمالاً للإنسانيَّة، وحفرَ في تاريخ الإنسانية، وهكذا نجدُ أنفسَنا اليوم أمام أعمالٍ لشاعرة حينما ننقرُ على محرك البحث “غوغل” أو مواقع التواصل، للتَّعرُّف على بضعة سطور تصوغ فكرة جيدة كافية عن ملامحها، فنجدُها أنها غير معروفة سوى في بلاد “العم سام”، وبالتالي لدى عدد أقل من القراء في باقي أنحاء المعمورة، بل يمكن القول إنَّ الترجمات العربية الموجودة، غيرُ موفقة لبضع شذرات من نصوصها الشعرية التي نستطيع القول إنها نصوص صافية وتمتح من نبع الشعر الحقيقي، والتي يمكنُ العثور عليها في ثنايا الشبكة العنكبوتية، إذ ثمَّةَ نزرٌ قليلٌ من هذه الترجمات الموفَّقة والتي تعطينا فكرة ولو قليلة عن شِعرها ومنجَزِها، إذاً يمكنُ القولُ إنَّ ذهاب الجائزة هذا العام لشاعرة أميركية هو تكريسٌ للمركزيَّة والكينونة الغربيَّة الأوروبيَّة الأميركيَّة، تابعوا معي ما يقوله “لفي شتراوس”، أو “إدوارد سعيد” مثلاً، عن هذه المركزية المتغطرسة…
إنَّ الأدب في نهاية المطاف ما هو إلا رمادٌ متبقٍّ مما تخلِّفُهُ الشُّعوبُ وراءها، رمادٌ نعني به الأثر الوحيد الباقي وراء أي احتراق واشتعال، من أثر العطاء، في حين أن الجوائز اليوم أضحت ذات حسابات ومصالح سياسية محضة، وكلنا يعلم أنه بالنسبة لجائزة نوبل وهي الأرقى والأثمن والأقدم عالمياً، منذ العام 1901، فتخيلوا معي أن العظيم “تولستوي” لم ينل الجائزة، تخيلوا معي أن بورخيس لم ينل هذه الجائزة، مارسيل بروس، أدونيس …لم ينالوا هذه الجائزة…
هذا وبالرغم من المطبات التي اعتورت هذه الجائزة وحيثياتها السنتين الماضيتين وبالرغم من تلميع القناع من قبل الهيئة المشرفة على الجائزة يمكن القول بأن دائماً هناك الكثير من الاعتبارات المركزية بخصوص الذائقة الجمالية والتي لا تتسع لأدب إفريقيا مثلاً أو الهند أو آسيا الوسطى أو الشرقية… مثلاً في الهند بعد طاغور 1913 لم ينل هندي الجائزة الأدبية، ولا حتى في اليابان أو الصين… باستثناء منحها في الثمانينيات لأحد الإفريقيين، وللمصري “نجيب محفوظ”، في محاولة لتهدئة وطمأنة الأدباء والأوساط في الأطراف….
إنها جائزة متنكرة وراء أجندة مثلها مثل غيرها من الجوائز، مثل “بوكر” الإنكليزية، ونسختها البوكر العربية، بخلاف الجوائز التابعة للدول مثل جائزة “سرفانتس” الإسبانية أو جائزة “الفرانكوفونية” الممنوحة من قبل وزارة الثقافة الفرنسية، وهنا نستطيع التساؤل: لمَ لمْ تُمْنَح الجائزة “نوبل” لـ “خورخي بورخيس” مثلاً، والذي اتُّهم بعلاقته بالجنرال الديكتاتور “بينوتشي” كما جاء في أجواء الحديث عن الجائزة، في حين تم منحها لـ”بابلو نيرودا” وهو الشاعر والأديب الكبير، على الرغم من علاقته القوية بنظامه الحاكم آنذاك في تشيلي، ومع ستالين في قوته الحديدية، والأمر نفسه مع “ماركيز” وقد كان صديقاً لـ”كاسترو”، إذاً دائماً هناك أجندات سياسية بمنح هذه الجائزة بنفحة يسارية على وجه التحديد لبعض الأسماء المغتربة عن بلدها الأصلي ولنا الكثير من الأمثلة…
والسؤال الأهم هنا: ترى هل حقاً أن حاضرَنا الشِّعريَّ والأدبيَّ، ومنجزَنا في معظم الأجناس الأدبية والفنية والإبداعية، لا يرتقي للمستوى الذي يؤهله للتويج بنوبل أو غيرها…؟
وهنا نقول ليس الأمر بهذه السوداوية وهذا السوء، فالشعر الذي كان ديوان العرب هو عنوان الثقافة العربية والذاكرة الثقافية العربية، ولكن ثمة إحساسٌ بالغبن، فـمنذ عقود وبعد حصول محفوظ على الجائزة، ونحن ننتظر منحها لاسم عربي، “أدونيس” مثلاً الذي طرق باب الحداثة وترجم وقام بتجسير الفجوات بين الآداب العالمية الرفيعة والمنطقة العربية، “محمود درويش” الذي رحل ولم تدركه، أو يدركها…
نحن في منطقتنا العربية نحتاج إلى أكثر من التفاتة وقراءة ومراجعة بل لا بد من جلد للذات فنحن في علاقاتنا ثمة معارك وحروب بين مثقفينا العرب، كما أننا لم نوفق في تسويق الصورة الثقافية عن الأديب والمثقف العربي وثمة أمر آخر بالغ الأهمية يتمثل في تقصيرنا بترجمة الآثار الأدبية والشعرية العربية إلى مختلف لغات العالم وأن نرصد لها الإمكانات لإنجازها…
للأسف نتذكر بأن الحضارة العربية مرت بمرحلة ترجمة من العربية وإليها في العصور الإسلامية، بشكل كثيف، ما جعل ثقافتنا العربية تعبر ما وراء البحار، أما اليوم فالإمكانات المرصودة لذلك خجولة ويمكن أقول إن الجوائز في المنطقة العربية هي جوائز ترضية أو نهاية خدمة بالرغم من كل ما يرصد لها من أموال وميزانيات ضخمة، والتي يثار حولها الكثير من علامات الاستغراب والاستفهام…
في المنطقة العربية ثمة شعراء وروائيون وأدباء وكتاب قصة وفنانون ومسرحيون لهم الشأن الكبير في الإبداع ولكن لا بد من سياسات ثقافية لدعم مساراتهم واحتضانها.. هذه المواهب والمسارات المتفردة في معظمها والفائقة العطاء.
إن هنالك الكثير مما يعوق بلورة سياسات ثقافية تنتج أسماء ثقافية لامعة يكون لها الأثر الكبير في التاريخ الثقافي والأدبي العربي والعالمي، فالثقافة اليوم هي صناعة أولاً، من حيث الخيال ودراسة ذائقة المتلقي العام، صناعة من حيث الطباعة وجماليات الطباعة وطرق وحجم التوزيع وسياسيات التوزيع وحفظ حقوق المؤلف والتأليف نحن نتعامل مع الثقافة والمثقفين كطرف كإضافات كإكسسوارات مكملة وليس كجوهر إنساني ف”هايدغر ” يقول “في النهاية إن الثقافة ملاذ الإنسانية”…
وهل نحن بحاجة لاستعادة القول الشامخ الراسخ: “إن الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية…”