“كأني أنا” القصيدة بيت مؤقت للروح

الثورة – سعاد زاهر:

تقول الشاعرة ليزا خضر في مطلع ديوانها” كأني أنا”…” أكتب الشعر لأنجو، أكتب الشعر لأترع لذّة بالسلام، وأذهب في صوفية البوح أدراج الخرافة”.

ترسل إلينا أبياتها كأنها تقول لقارئها: الشعر وسيلة خلاص، من هذه العتبة يمكن قراءة الديوان باعتباره صوتاً ذاتياً يواجه العدم، ويحوّل التجربة الفردية إلى مرآة تعكس دواخلنا، فالذات الشعرية ليسن أنا فقط.

فعل نجاة

في ديوانها “كأني أنا”، تكتب ليزا إبراهيم خضر الشعر كأنها تكتب وصية حياة، أو تعلن بياناً ضد العدم، لا تبدو القصائد زخرفة بل صرخة، وليست اللغة قناعاً بل مرآة مشروخة تعكس ذاتاً تفتّش عن خلاصها وسط الركام.

تقول خضر لـ”الثورة”: “شقي يقول ابن الحياة، أبحث عن معنى يليق بجوعي، أبحث عن جدار لا ينهار حين أبكي”، إنها كتابة تنطلق من هشاشة الكائن، من صرخة ضد الفراغ، من حاجة عميقة لتشييد مأوى بالكلمات في عالم يتداعى، هنا يقترب النص من التصوف، من ذلك الإيمان أن البوح وحده يحرّر الروح من سجونها.

الشعر إذن فعل وجودي، أشبه بعملية تنفّس ثانية، ومن دونه يخنقها الغبار والرماد.

يتكرر في الديوان سؤال الذات، كأن الشاعرة تعيد النظر في انعكاساتها لتتحقق من كونها موجودة أصلاً.

تقول في مقطع مؤلم:”كأننا لا أحد، نتجوّل بين ركام العمر، نبحث عن ملامح تشبهنا، فلا نجد إلا ظلّاً هارباً، هذه الكتابة تعكس القلق الوجودي للذات الأنثوية التي تحاول أن تكتب نفسها بعيداً عن التمثلات التقليدية، “كأني أنا” ليست صيغة يقين بل صيغة شك، صيغة سؤال، صيغة وجود مهدّد، فالشاعرة لا تزعم أنها وجدت ذاتها، بل تتساءل إن كانت قادرة أصلاً على التعرف عليها.

بين الحلم والانكسار

لغة الديوان مشبعة بالصور المراوغة التي تجمع بين الحلم والكابوس، هناك حضور كثيف للأطياف، للظلال، للخراب، للوجوه الممحوة، للأمكنة التي تنهار، وفي مقابل ذلك، هناك نوافذ ضوء صغيرة، أشبه بفتات أحلام، تفتحها الشاعرة كمن يبحث عن متنفس في جدار إسمنتي خانق.

نقرأ مثلاً: “في الشرق، ماتت القصائد على أكتاف الغبار، وصارت العصافير تحفظ أناشيد الخراب، وما عدتُ أعرف كيف أكتب اسمي ، دون أن يسيل دمٌ بين الحروف”.

إنها صور تتغذى من الواقع المحاصر بالدمار، لكنها لا تتوقف عند حدود التسجيل أو البكاء، بل تتجاوزهما إلى تخليق بلاغة جمالية جديدة، إذ يصبح الخراب استعارة للزمن بأكمله، وتتحول الكتابة إلى محاولة لترميم المعنى.

همس شعري

على الرغم من أن الديوان يبدو في ظاهره صوتاً ذاتياً، إلا أنه يحمل خلفه صدى جماعياً، فحين تتحدث الشاعرة عن ” القبيحين الذين لا يحبهم النهار”، فهي لا تعني قبح الملامح، بل قبح الأنظمة التي شوّهت وجوه الناس، وقبح الحروب التي أطفأت العيون، وقبح الواقع الذي صادر الحلم.

الشاعرة خضر بينت أن الشعر هنا يشتبك مع الوجود السياسي والاجتماعي، ولكن بلغة رمزية، غير مباشرة، تتجنّب الخطاب المباشر، وتترك للقارئ أن يفكّك الدلالات، إنها كتابة مقاومة ولكن عبر الجمال، احتجاج، ولكن بصوت داخلي لا يصرخ بل يوشوش، كمن يخاطب القارئ في سرّه.

الإيقاع يتمرد على القالب

من الناحية الشكلية، يتمرد الديوان على القوالب الكلاسيكية، فلا التزام صارم بوزن أو قافية، بل انفتاح على النص الحر، على الموسيقا الداخلية للجملة، على إيقاع المعنى أكثر من إيقاع البحر. هذا الانفلات من الشكل الموروث هو جزء من معنى التمرّد، كأن الشاعرة تقول: لا يمكن أن أكتب شعورا مكسورا بلغة مصقولة محكمة، بل عليّ أن أبحث عن لغة مكسورة بدورها كي تعكس الكسر.ولفتت الشاعرة خضر إلى أن ما يميز “كأني أنا” هو جرأة الاعتراف بالهشاشة، الشاعرة لا تخفي ضعفها، بل تعلنه: “أبحث عن جدار لا ينهار حين أبكي، عن نافذة لا تغلقها الحرب، عن صدر لا يخونني في منتصف الليل”.

هذا الاعتراف ليس انكساراً بل قوة، لأنه يحوّل الألم إلى نص، والدمع إلى جملة شعرية، والفقد إلى ذاكرة مكتوبة.

هنا تتحقق المفارقة: الهشاشة تتحول إلى شكل من أشكال التمرد، ديوان “كأني أنا” مشروع بحث عن معنى في زمن مختلف، هو شهادة على أن الشعر مازال قادراً على أن يكون بيتاً للإنسان، مأوى للروح، مرآة للزمن، حتى حين يتفكك كل شيء من حولنا.

لقد كتبت ليزا إبراهيم خضر نصوصها بوعي أن الشعر قد لا يغيّر العالم، لكنه قادر أن يغيّر نظرتنا إلى الجرح، أن يخفف ثقل العزلة، وأن يمنح القارئ نافذة يرى من خلالها ذاته في انعكاس آخر.

آخر الأخبار
تنظيم شركات المعلوماتية السورية  ناشطو "أسطول الصمود" المحتجزين يبدؤون إضراباً جماعياً عن الطعام حوار مستفيض في اتحاد العمال لإصلاح قوانين العمل الحكومي مناقشات استراتيجية حول التمويل الزراعي في اجتماع المالية و"IFAD" الشرع يبحث مع باراك وكوبر دعم العملية السياسية وتعزيز الأمن والاستقرار العميد حمادة: استهداف "الأمن العام" بحلب يزعزع الاستقرار وينسف مصداقية "قسد" خطاب يبحث في الأردن تعزيز التعاون.. و وفد من "الداخلية" يشارك بمؤتمر في تونس حضور خافت يحتاج إلى إنصاف.. تحييد غير مقصود للنساء عن المشهد الانتخابي دعم جودة التعليم وتوزيع المنهاج الدراسي اتفاق على وقف شامل لإطلاق النار بكل المحاور شمال وشمال شرقي سوريا تمثيل المرأة المحدود .. نظرة قاصرة حول عدم مقدرتها لاتخاذ قرارات سياسية "الإغاثة الإسلامية" في سوريا.. التحول إلى التعافي والتنمية المستدامة تراكم القمامة في مخيم جرمانا.. واستجابة من مديرية النظافة مستقبل النقل الرقمي في سوريا.. بين الطموح والتحديات المجتمعية بعد سنوات من التهجير.. عودة الحياة إلى مدرسة شهداء سراقب اتفاقية لتأسيس "جامعة الصداقة التركية - السورية" في دمشق قريباً ليست مجرد أداة مالية.. القروض المصرفيّة رافعةٌ تنمويّةٌ بعد غياب أربعة أيام.. التغذية الكهربائية تعود لمدينة جبلة وريفها حدائق حمص خارج الخدمة.. والمديرية تؤكد على العمل الشعبي سوريا في صلب الاهتمام والدعم الخليجي - الأوروبي