الثورة أون لاين – رشا سلوم:
شكل الشاعر الراحل وجيه بارودي علامة فارقة في تاريخ حماة الثقافي والاجتماعي وحتى الإنساني وعلى مدى ما يقارب أكثر من نصف قرن كان محور الحركة الشعرية فيها حضوراً ومتابعة وقدرة على الابتكار ونشر الوعي.
فهو الطبيب الإنساني قبل أي شيء تشبث بمدينته لم يغادرها عاش فيها طبيباً ومصلحاً وشاعراً.
له الكثير من المواقف النبيلة التي تحدث عنها الكثيرون وفوق هذا كان رجل الطرفة الجميلة.
في مسيرته الشعرية أكثر من مجموعة شعرية صدرت منذ منتصف القرن الماضي ومن ثم توجت بديوان كبير حمل عنوان سيد العشاق صدر قبيل نهاية القرن الماضي.
محبو الشاعر وأصدقاؤه الأوفياء وعلى رأس هؤلاء الشاعر والباحث الكبير محمد عدنان قيطاز عملوا بجد ودأب على جمع ما تناثر من عبق شعره ولم ير النور فكان أن استطاع عدنان قيطاز تقديم كنز حقيقي لنا حمل عنوان “الفائت من آثار الشاعر وجيه البارودي” صدر الكتاب في دمشق عن دار بعل هذا العام.
الكتاب أو المجموعة الشعرية تقدم تتمة مهمة لما كان الراحل قد نشره وهي جهد دؤوب يحسب للباحث قيطاز فقد بدأ العمل على توثيق قصائد الشاعر غير المنشورة منذ عام ١٩٩٣ إلى ١٩٩٦م .
ومن ثم قدم قسماً آخر مستدركاً لا يحمل تاريخاً محدداً.
يقع الكتاب في ٢٠٠ صفحة من القطع الكبير، ومن الحولة الأولى في المجموعة أو الكتاب يمكن للمتابع أن يقرأ أثر ما فعلته الشيخوخة بالشاعر وهو الذي كان طوداً قوياً بهياً يعتز بالحياة ويعيشها يعطيها فتعطيه.
الفائت من قصائده استحضار للشباب ولهفة على ما كان ودمعة نبل عليها، البارودي زارع الخير والبهاء في إبداعه وعمله يجد نفسه مقعداً في البيت لا حراك أبداً، أطباء وتحاليل وصور أشعة وغيرها.
هذا المشهد الذي كان، وثمة استحضار للحب والعشق، من القصائد البهية في هذه المجموعة نقف عند قصيدة حملت عنوان “التقاعد” يقول فيها ..
تقاعدت في بيتي تبوات مقعدا
وثيرا مدى ليلي وطول نهاري
فلا حب بعد اليوم إلا تذكرا
يسعر في قلبي حرارة نار
أمامي ضباب لا يتيح لي الرؤى
وفي السمع وقر في هدير بحار
وطيش براسي ما عرفت دواءه
تراني في صحو ولست بدار
وقال طبيبي أنت شيخ فلا تخف
فكل مسن عرضة لدوار
إلى أن يصل إلى لحظة الانفجار حين يرى عجزه بعد شبابه فيقول :
وبئس وقاري ليتني مت قبله
فعجزي بعد العز وصمة عار
ولكنني بالشعر حي وواصل
إلى كل قلب من ذوات سوار
وقد غص شعري بالجمال بالهوى
وكان اقتناص الفاتنات شعاري ..
١٩٩٥م