الثورة أون لاين – أحمد حمادة:
يستغرب بعض المحللين في منطقتنا وخارجها انحراف سياسات النظام التركي وانقلابها من تحقيق الأمن والازدهار في المنطقة، والتي رفع شعاراتها مطولاً حين تسلم دفة الحكم، إلى الجهة المقابلة تماماً، أي نسف استقرارها والعبث بأمنها وأمانها.
ويستغرقون أكثر في استغرابهم حين يتحدثون عن انقلاب السياسة التركية على شعار “صفر مشاكل” مع الجيران، التي رفعته عبر سنوات عديدة، إلى كل أنواع الحروب وألوان الاحتلال والغزو والإرهاب بحقهم وسرقة ثرواتهم ومقدراتهم، فقد حذف نظامها الإخواني (الصفر) من شعاره وأغرق المنطقة وبلاده بالمشاكل.
والواقع فإن من يدقق في تركيبة النظام الحاكم في تركيا يدرك أن هذا الأمر ليس بغريب على نهجه العدواني المذكور، فهو أولاً مولود من رحم تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي الذي تدل كل آثاره في المنطقة برمتها على انتهاج مثل هذه السياسات، وبالتالي فإن شعارات براقة مثل “صفر مشاكل” وغيره من الشعارات التضليلية ليست إلا لذر الرماد في عيون الجيران والأقربين، وما يجري على أرض الواقع من شرق المتوسط إلى أواسط القوقاز وصولاً إلى القارة السمراء يؤكد هذه الحقائق الدامغة.
وأيضاً من يدقق أكثر في طبيعة أوهام هذا النظام في إحياء الأحلام الاستعمارية العثمانية، والتي قامت أساساً على التوسع واحتلال أراضي شعوب المنطقة ونهب ثرواتها، يدرك أيضاً أن ما يقوم به اليوم ليس غريباً على حقيقة انتمائه، فهو امتداد لهذا التاريخ الذي نشر التخلف والإرهاب على مدى قرون عانت خلالها شعوب المنطقة الويلات، ومذابح الأرمن خير شاهد عليها.
اليوم باتت هذه الطبيعة العدوانية مادة دسمة لوسائل الإعلام الغربية وحتى التركية المعارضة، ولكثير من مراكز الأبحاث الدولية التي أصبحت تشير بالبنان وبالفم الملآن للعلاقة القائمة بين الإرهاب والتطرف في المنطقة وبين النظام التركي بزعامة رجب أردوغان، والتي ينتهجها لزعزعة الأمن والاستقرار فيها بهدف إحياء أحلام السلطنة العثمانية البائدة والسيطرة على ثروات ومقدرات بعض الدول فيها، ويدللون على ذلك بفتحه عدة جبهات حربية بآن معاً، كما نشاهد من سورية إلى ليبيا واليونان وقبرص وبحر إيجة وشرق المتوسط وصولاً إلى القوقاز وإشعاله فتيل النار في إقليم ناكورني كارباخ.
ومثل هذا الرأي باتت تتبناه مئات الوسائل الإعلامية ومراكز الأبحاث، وعلى سبيل المثال أكدت مجموعة بحثية أسسها الباحث الأميركي المتخصص في شؤون الإرهاب ستيفن إيمرسون تحت مسمى (المشروع الاستقصائي-أي بي تي) أن تركيا أصبحت زعيمة الكتلة المتطرفة في المنطقة، وأنه كلما زادت الأزمات الداخلية والتحديات لدى نظام أردوغان وحزبه الحاكم زادت تدخلاته العدوانية في المنطقة.
ولم تكتف المجموعة البحثية المذكورة بذلك بل بيّنت أن نهج نظام أردوغان تجاه المنطقة أصبح مدفوعاً بشكل متزايد بأحلام العثمانية الجديدة، وكشفت في ذات الوقت عن نفاق خطابه الذي يدعي العداء تجاه الكيان الإسرائيلي في حين حافظ على علاقات كاملة رسمية مع هذا الكيان وزاد من تجارته الثنائية معه، فهو يمول مركزاً في مدينة القدس المحتلة ومهمته الترويج للسياح الذين تربطهم صلات بجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية.
وبعيداً عما تنقله الصحافة فإن ما يجري على الأرض من سورية إلى ليبيا فالقوقاز يؤكد دون أدنى شك أن نظام أردوغان لم يكتف بدعم الإرهاب بل نقل مخططاته العدوانية إلى كل هذه البلدان وأرسل إليها القوافل والسفن المحملة بالأسلحة والذخيرة ونقل آلاف المرتزقة والإرهابيين إليها، وهدفه ثروات المنطقة، لكنه في الواقع أغرق شعبه بأزمات عديدة، وأوصل بلاده إلى حافة الدمار، وهو الذي تغنّى يوماً بشعارات “صفر مشاكل المزيفة.