تسعى الفنون في غالبيتها إلى توثيق الأحداث التاريخية وربما التفاصيل اليومية في رصد حي لإيقاع الحياة وتدوين الحراك الإنساني، لتعكس في مضمونها توثيقاً موضوعياً يشكل في حد ذاته وثيقة هامة يمكن أن تكون شاهداً حياً لما يجري على أرض الواقع من صراعات وحروب ونضالات ضد الإرهاب، وعلى المقلب الآخر، ترى توثيقاً لبطولات شكلت أنموذجاً خالداً في التضحية والوفاء مايزال عبقها يثري الذاكرة ويشكل حافزاً للأجيال لاقتفاء وقع خطا الأجداد.
وربما تنتصر السينما على الفنون الأخرى لرصدها أحداثاً تاريخية وحقباً طويلة الأمد، وتنقل إلينا عصوراً لم نشهد تفاصيلها وهي بذلك تهدي إلينا التاريخ وتنعش ذاكرتنا من جديد وخصوصاً في زمن ينحسر فيه الكتاب لصالح الصورة والتأثير التقني من الموسيقا والمؤثرات الصوتية ولغة الجسد التي تحرك المشاعر في وجبة دسمة من الأحداث والشخصيات لطالما كنا نتوق إلى سبر أغوارها وكشف أسرارها.
ولاأخفي دافعاً قوياً جعلني وفي هذه السطور القليلة للحديث عن دور السينما في توثيق ماعشنا تفاصيله في الحرب الأخيرة على سورية، وقد قرأت عن عنوان فيلم يصور بطولات الإعلاميين وتضحياتهم جنباً إلى جنب مع الجيش العربي السوري، وهو فيلم” لآخر العمر” الذي يتحدث عن اختطاف الصحفية لارا من قبل الإرهابيين، وهو من إخراج باسل الخطيب وتأليف سامر إسماعيل، وهذه الخطوة هي من الأهمية لتجعلنا نلتفت أولاً إلى أرشيفنا السينمائي الغني بالكثير من الوثائق الهامة التي تنفض الغبار عن حقائق هامة يحاول أعداؤنا طمسها وتزييفها، وأما الأمر الثاني أن نستثمر هذا الفن في بث الوعي لدى شرائح المجتمع كافة عندما نجعل من السينما بوابتنا لمعرفة الحقيقة.
ولاننكر أهمية الأرشفة لهذه الأفلام وحفظها من التلف والضياع، فهي في قيمتها توازي قيمة الكتاب أو تفوقه، فكل فيلم هو وثيقة تاريخية والشاهد الحي على العصر، وتشكل جميعها مرجعية هامة للدارسين والباحثين.
واليوم ونحن نسير على خطا التكنولوجيا الحديثة، وتكريس اللاذاكرة، نجد من الأهمية بمكان التشبث بهويتنا وتراثنا ماضياً وحاضراً وصناعة تاريخنا بأقلامنا ومن مداد أرواحنا.
رؤية- فاتن أحمد دعبول