الثورة أون لاين – ترجمة ختام أحمد:
هل نحن على وشك إجراء إعادة تنظيم كبيرة للسياسة الخارجية في واشنطن؟ وهل يمكن للرئيس الجديد تحقيق ذلك؟ وخصوصا بعد حدوث تحول كبير في فرز الأصوات في اللحظة الأخيرة وفوز جو بايدن بالرئاسة ليصبح الرئيس 46 للولايات المتحدة. ماذا يعني هذا التطور بالنسبة للسياسة الخارجية؟.
لا يمكن لأي منا أن يتوقع أو يكون على قدر كاف من اليقين كيف ستتطور الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة، إذا حدث ذلك مع تولي الإدارة الجديدة سيقدم أصحاب المصلحة توصيات بشأن التحديات التي يجب معالجتها كأولويات عاجلة، أما الآخرون الذين قد يخدمون في مناصب الأمن القومي العام المقبل، فسيكونون عرضة للإغراء لتجنب تعكير صفو القارب والاكتفاء إلى حد كبير بإجراء تحسينات صغيرة على الهامش.
إن الهيمنة الليبرالية والتدخل، محرك الاستراتيجية الأمريكية الكبرى منذ نهاية الحرب الباردة، وستحظى بلا شك بالكثير من الدعم، ما تحتاجه الولايات المتحدة بدلا من ذلك هو ضبط عقيدة السياسة الخارجية، غير مستغلة الأكاذيب السابقة واللعب عليها بحجة تعزيز أمننا القومي على بعد آلاف الأميال من بلادنا، قد يكون البقاء ضمن الحدود وإعادة ترتيب الأوراق السياسية أكثر ضماناً لمؤسسة السياسة الخارجية، لكن بالنسبة لبقية البلاد، لم يؤد ذلك إلى أي مكاسب كبيرة، في عهد ترامب ضعفت القوة الاقتصادية والعسكرية الشاملة للولايات المتحدة نتيجة للمغامرات العسكرية المفرطة وعدم القدرة (أو عدم الرغبة) في التمييز بين ما تحتاجه أمريكا حقاً وما يمكن أن تعيش بدونه، ضبط النفس سيجبر أخيرًا صانعي السياسات على تحديد الأولويات والأهداف الواقعية فعليًا، والتخلي عن تدخلات باهظة الثمن وذات نتائج عكسية في العملية.
وبنفس القدر من الأهمية، فإن ضبط النفس من شأنه أن يبني خيارات السياسة الخارجية للولايات المتحدة على الواقع بدلاً من الطموح المثالي، إذاً فإن الانتخابات الرئاسية لعام 2020 يجب أن تكون بداية إعادة تنظيم أوسع لكيفية عمل الولايات المتحدة في العالم، لايزال هذا سؤالا مفتوحا إلى حد كبير، وسيعتمد جزء كبير منه على خيارات موظفي الإدارة القادمة عبر بيروقراطية الأمن القومي، ومع ذلك، ليس هناك شك في أن إعادة التنظيم هذه ضرورية للغاية نظرًا لسوء التقدير والهدر والتضحية المؤلمة التي حددت السياسة الخارجية للولايات المتحدة على مدار العشرين عامًا الماضية، فلا توجد منطقة في العالم خالية من التدخل العسكري الخارجي للولايات المتحدة، حيث لايزال عشرات الآلاف من القوات الأمريكية متمركزين في أوروبا، واحدة من أكثر القارات ازدهارا وأمانا على هذا الكوكب.
في الشرق الأوسط، لايزال الجيش الأمريكي مقيدا في بعض أكثر الحروب استعصاءً في المنطقة، على الرغم من أن واشنطن ليس لديها مصلحة مباشرة في أي من النتائج، يأتي كل هذا في الوقت الذي يتزايد فيه دعم الجمهور الأمريكي لإنهاء تورط الولايات المتحدة في تلك الحروب، في غضون ذلك تقترب سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين بشكل خطير من الاحتواء، وهي استراتيجية تستدعي مواجهة طويلة الأمد مع ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم.
لقد أصبحت العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا على خصومة بشكل متزايد، لدرجة أن الاتصال الهاتفي المنتظم بين رئيسي البلدين يمكن أن يولد شكوكا وجدلا. النتائج النهائية للتفوق الأمريكي واضحة، ميزانية ضخمة للأمن القومي بقيمة 750 مليار دولار غير ضرورية على الإطلاق للحفاظ على الولايات المتحدة آمنة، و27 تريليون دولار من الديون الوطنية التي لم تظهر أي بوادر استقرار، سلسلة متزامنة من التدريب شبه الدائم، وتقديم المشورة، والمساعدة في عشرات البلدان عبر ثلاث قارات، عمل عسكري أو تدخل واسع النطاق في ثماني دول على الأقل، احتلالان غير مثمرين في أفغانستان والعراق، مهمة شرطية لكنها محفوفة بالمخاطر في شرق سورية، والصين الصاعدة التي عززت موقفها من خلال الاستفادة من نقاط الضعف العديدة في السياسة الخارجية لواشنطن.
إذا أرادت إدارة بايدن أن تحقق العدالة والسلم الدوليين يجب عليها إرساء السفينة السياسية الخارجية ويجب أن تبني أهدافا أكثر تواضعا، والقضاء على سياسات مثل الضغط الأقصى على إيران التي تفشل في تحقيق أي شيء خارج خلق التوتر، ويجب سحب الجيش من الشرق الأوسط الذي هو ليس حيوياً لأمن الولايات المتحدة وازدهارها كما كان قبل عقود، بل على العكس هو يشكل خطراً أكثر على الأمريكيين المقاتلين في تلك المناطق.
في أوروبا، يجب على الولايات المتحدة التخلي عن مبادرة الردع الأوروبية الزائدة عن الحاجة والتوقف عن نشر القوات الأمريكية في الجناح الشرقي لحلف الناتو، ويجب ألا يضاف أعضاء جدد إلى الناتو ( وهي سياسة أمريكية)، لأن هذا التوسع في الناتو خاصة دول مثل أوكرانيا وجورجيا سيؤدي إلى تفاقم التوترات مع روسيا المسلحة نوويًا، ويمتد إلى الأراضي التي يحتاج الناتو للدفاع عنها، ويضع المزيد من الالتزامات الأمنية على أكتاف واشنطن.
يعتبر سلوك الصين الحازم في آسيا مصدر قلق، لكن مواجهة الصين في كل مكان لن تؤدي إلى ترويض سلوك بكين وقد تؤدي في الواقع إلى العكس، إن إعلان ” الوضوح الاستراتيجي ” الذي تقول أمريكا أنها تتبعه، حيث تعرض الولايات المتحدة على تايوان التزاما دفاعيا في سياق حليف رسمي في المعاهدة، من المرجح أن يسرع “بغزو” صيني محتمل للجزيرة بدلاً من كبح جماح بكين عن التصرف بقوة، والحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة مع الصين، والتنافس مع الصينيين بمسؤولية في المجال الاقتصادي، وتزويد الحلفاء والشركاء مثل اليابان وتايوان والهند بالقدرة على الدفاع عن سيادتهم من “الافتراس” الصيني، هو أكثر فاعلية وأقل خطورة استراتيجية من نشر الجيش كخط دفاع أول.
هل سيتم تمرير أي من هذه الإصلاحات المعقولة في السياسة الخارجية؟ إن مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن أمامها الكثير من العمل، نأمل أن لا تضيع الإدارة الجديدة هذه الفرصة.
بقلم: دانيال ديبتريس
المصدر Antiwar
السابق