الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
شكّلت الحركة التصحيحية المجيدة التي قادها القائد المؤسس حافظ الأسد في 16/11/1970 والتي نحتفي بعيدها الذهبي هذه الأيام، حدثاً مفصلياً حاسماً في تاريخ سورية المعاصر، أسس لما بعده على المستويين العربي والإقليمي، فسورية التي كانت منهمكة بترتيب أوضاعها وحل أزماتها الداخلية باتت بفضل الرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى والسياسة الشجاعة والحكيمة التي انتهجها قائد التصحيح لاعباً مهماً في كل ما يتعلق بشؤون المنطقة والإقليم، كما شهد الوضع الداخلي قفزات نوعية على طريق النهوض والعمل الدؤوب والمنتج على كل الأصعدة ما غيّر وجه سورية وأعطاها المكانة اللائقة بها وبموقعها الاستراتيجي.
فمع انتصار الحركة المباركة طوت سورية مرحلة الانقلابات العسكرية والفوضى السياسية التي كانت تعصف بالبلاد منذ جلاء المستعمر الفرنسي عن أراضيها عام 1946، وودعت زمن المشاريع المشبوهة التي تتناقض مع استقلالها وسيادتها وعروبتها ومصالح شعبها، وتم إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس سليمة تضمن أوسع مشاركة للجماهير في اتخاذ القرار السياسي والوطني بعيداً عن الفردية والمزاجية التي تتحكم بالأشخاص والأحزاب وترتهن للمصالح الخاصة، وسارت سورية أشواطاً بعيدة على طريق الديمقراطية الشعبية عبر تأسيس مجلس الشعب والإدارة المحلية ومجالس المحافظات، ومن خلال إنشاء الاتحادات والنقابات المهنية التي تمثل كل شريحة من المجتمع وتدافع عن حقوقها ومكتسباتها في ظل الدستور والقوانين.
كما شهدت مجالات التربية والتعليم والصحة وبقية الخدمات قفزات نوعية على طريق تطويرها كماً وكيفاً وإتاحتها بشكل مجاني لجميع شرائح المجتمع وخاصة الطبقات الكادحة، كما عززت الحركة التصحيحية من قوة الاقتصاد السوري وزادت من الإنتاج الزراعي والصناعي الوطني بشكل يدعم استقلالية القرار الوطني، لتتعزز قدرة الدولة على الصمود في وجه التحديات والضغوط الخارجية التي كانت ولا تزال تستهدفها بسبب مواقفها الاستقلالية الشجاعة.
وتتويجاً للأفكار الخلاقة التي جاءت بها الحركة التصحيحية حقق الاقتصاد السوري خلال سنوات التصحيح وفي عهد السيد الرئيس بشار الأسد قائد مسيرة التحديث والتطوير إنجازات مهمة تمثلت بتحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي في العديد من الزراعات الاستراتيجية إلى جانب التوسع في استصلاح الأراضي وتنويع المحاصيل التي تحتاجها العملية الإنتاجية.
كذلك أولت الحركة التصحيحية مؤسسة الجيش العربي السوري ـ هذه المؤسسة العريقة ذات التاريخ المشرف ـ كل الاهتمام والرعاية بحيث أصبح لسورية جيش وطني عقائدي يحمي حدودها ويذود عن حياضها ضد أعدائها ويحمي أمن واستقرار شعبها من عبث المخربين والإرهابيين وأصحاب المشاريع المشبوهة، ويسعى بكل بسالة وشجاعة لتحرير أرضها المغتصبة في الجولان العربي السوري المحتل، حيث كانت حرب تشرين المجيدة عام 1973 برهاناً ساطعاً على قدرات هذا الجيش ومدى إيمانه بعقيدته واستعداده للتضحية وبذل الأرواح والدماء من أجل استعادة الحقوق ورد كيد المحتل الإسرائيلي إلى نحره، وإرساء معادلة ردع جديدة تكبح العدوانية والغطرسة الصهيونية المتمادية بوهم التفوق العسكري والدعم الأميركي والغربي غير المحدودين.
وتأكيداً من الحركة على انتمائها القومي الأصيل إلى قضايا الأمة فقد سعت إلى تعزيز وحدة الصف العربي وإعلاء كلمة العرب في المحافل الدولية من خلال نسجها شبكة من العلاقات القوية مع المعسكر الداعم للقضايا العربية وخاصة المعسكر الاشتراكي، واستمرت في دعم نضال الشعب الفلسطيني من أجل الحصول على حقوقه المسلوبة وتحرير أرضه، ودعمت مقاومته في وجه الاحتلال واحتضنتها وتحملت من أجل ذلك الكثير من الضغوط الغربية والحصار، كما عززت محور الممانعة العربية في وجه الأطماع والمشاريع الصهيوأميركية، بانتهاجها خط المقاومة بعد اتفاقية كامب ديفيد التي أخرجت مصر من الصراع العربي الصهيوني، وكان لهذا النهج دوره المحوري في تحقيق الأمن والاستقرار والتوازن على مستوى المنطقة، حيث ساهم بإنقاذ لبنان من حربه الأهلية، وساعده على تحرير أرضه المحتلة عقب اجتياح عام 1982، حيث كانت ذروة الفشل الصهيوني باندحار جيش الاحتلال من جنوب لبنان في أيار عام 2000 تحت ضربات المقاومين اللبنانيين البواسل الذين احتضنتهم سورية ودعمتهم، كما فشل عدوان تموز على لبنان عام 2006 في تحقيق أي من أهدافه وتمت هزيمة الجيش الموهوم بالتفوق بدعم سوري منقطع النظير، ما ساهم بتبلور محور مقاوم في المنطقة كبح جماح الكيان الصهيوني الغاصب وأعاده إلى حجمه الطبيعي.
ولم تتوقف إنجازات الحركة التصحيحية برحيل القائد المؤسس عام 2000 بل استمرت بوتيرة متسارعة مع انتخاب السيد الرئيس بشار الأسد رئيساً للجمهورية العربية السورية، وطرحه مشروع التحديث والتطوير في مختلف مجالات الحياة، حيث أطلق سيادته حزمة من الإصلاحات الشاملة لتحسين الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في البلاد تلبية لاحتياجات الشعب في كل المجالات وتعزيز ما تم إنجازه على مدى ثلاثين عاماً من التصحيح المبارك، لتشهد سورية نهضة جديدة بكل المقاييس لم تتوقف رغم كل العقبات والضغوط حتى العام 2011 حيث شنت حرب إرهابية كونية على سورية بسبب مواقفها المشرفة من أجل تعطيل دورها وتغيير وجهها العروبي وتخريب ما تم إنجازه خلال أربعة عقود.
ولو تساءلنا اليوم عن السرّ الذي جعل سورية تصمد نحو عشر سنوات أمام أعتى وأوسع وأخطر حرب إرهابية عالمية يشهدها العصر الحدث، لاكتشفنا أن السر يكمن في البناء الراسخ والشامخ والمتين الذي أرسته الحركة التصحيحية، إذ لولا قوة ومتانة وأصالة هذا البناء لما تمكنت سورية من تجاوز هذه المحنة والصمود والبقاء والاستمرار في نهجها الاستقلالي، وأخذ وتبني المواقف المنسجمة مع مصالحها ومصالح شعبها، وإيمانها بقضاياها وقضايا أمتها، ورغم كل الظروف الصعبة التي تواجهها اليوم من إرهاب واحتلال عسكري لبعض أراضيها وعدوان ونهب وتهديد وتآمر وحصار وعقوبات اقتصادية وضغوط سياسية، لا تزال وفية لمبادئها ولقيم الحركة التصحيحية وهذا ما أكسبها احترام الأصدقاء والحلفاء، وزاد من حنق واستياء وخيبة الأعداء والمتربصين، وفاقم شعورهم باندحار وفشل وعقم كل ما خططوا له خلال سنوات الحرب الظالمة.