الملحق الثقافي:رشا سلوم:
«الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية»، مقولة القائد المؤسس حافظ الأسد، التي ترافقت بالفعل والعمل والمضي قدماً نحو السمو والإنجاز، ومن يتتبع مسار المتغيرات الثقافية وقيمها التي أنجزتها الحركة التصحيحية، فسيجد فيضاً من الإنجازات والبنى التي هيأت لهذا السمو الثقافي. فلم تبق منطقة في سورية إلا وشيد فيها صرح ثقافي ووضع في خدمة الحراك الثقافي إبداعاً، تواصلاً، تفاعلاً، أكثر من /400/ مركز ثقافي في سورية مع مكتباتها ومسارحها وإذاعاتها، ناهيك عن مراكز الثقافة الشعبية. ولن نسترسل في الحديث عن قصور الثقافة الشامخة في مراكز المحافظات بدءاً من دمشق وصولاً إلى أي محافظة شئت.
وربما علينا أن نطرح أسئلة مرة الآن: البنية الأساسية للعمل الثقافي موجودة، لكن لماذا أخفق حراكها، لماذا لم نحسن استثمارها.. ولماذا لم تصل بنا الى تحقيق حاجتنا العليا؟!
اليوم نرى أن الإجابة عليها ضرورة ملحة، لعلّ ذلك يضيء على واقعنا الذي فوجئنا بكمّ السواد المعشش في ثناياه، وكم كنا بعيدين عن العمل الحقيقي، وصحيح أن كل ما نريده قد توفرّ لكن الرؤية كانت غائبة، غائبة. وهنا أشير إلى المعنيين بالتنفيذ على أرض الواقع، كل ذهب في اتجاه غير ذي ثمر.. وكأننا أمام رجل فقد نقوداً في مكان داكن، مظلم، فإذا به ذهب ليبحث عنها تحت الضوء بحجة أن العتمة تمنعه في ذاك المكان.
التقانة هي هوية وانتماء، والهوية أصالة وتجذر وقدرة على التفاعل، وكم كان القائد الخالد حافظ الأسد رائياً ومخططاً واستراتيجياً حين رسم ملامح الطريق، وحدد الغايات والأهداف، وكم كنا مقصرين في الارتقاء إلى استراتيجية لم نحسن التنفيذ في الكثير الكثير، ولا شك أن باب الثقافة واحد من هذا الكثير. في ذكرى رحيله جسداً تبقى رائعته الخالدة تملأ القلوب والعقول: «الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية» ولكن أين نحن منها..؟!
وكم كانت خطوة مهمة جداً أن يصدر مرسوم جمهوري بإحداث الموسوعة العربية، والعمل على أن تكون مرجعيتنا الثقافية والمعرفية عربية، لا ما تقدمه الموسوعات الغربية وتدس فيه السم، فقد أحدثت هيئة الموسوعة العربية بمقتضى المرسوم التشريعي رقم 3 تاريخ 5/1/1981، الذي نص على أنها هيئة عامة ذات طابع علمي ثقافي تتمتع بشخصية اعتبارية واستقلال مالي وإداري، وترتبط برئاسة الجمهورية العربية السورية، ومركزها مدينة دمشق، ولها أن تنشئ مكاتب تابعة لها في داخل الجمهورية العربية السورية وخارجها.
تتولى هيئة الموسوعة العربية جميع ما يتعلق بإصدار موسوعة عربية شاملة وموسوعات متخصصة وملاحق موسوعية. والموسوعة، وتعني التعليم الذي يشمل المعارف كلها.
وتعرَّف اليوم بأنها المؤلَف الذي يعرض مختلف فروع المعرفة البشرية، أو المؤلف الذي يتضمن كل مطلب من مطالب ثقافات الأمم ومقومات حضارتها مرتباً حسب حروف الهجاء أو وفق منهج يتصل بالبحوث. وتوصف مثل هذه الموسوعات بأنها عامة لتمييزها من الموسوعات المتخصصة التي تبحث في حيّز معرفي محدد أو في مجموعة حقول معرفية متقاربة. ولم تأخذ الكلمة اليونانية هذا المعنى الحالي إلا في أواخر القرن السابع عشر.
وتختلف الموسوعات عن المعجمات في انتقاء الموضوعات وطريقة عرضها. فغاية المعجمات شرح معاني كلمة لغة أو علم أو غير ذلك من دون إهمال أي مفردة، في حين تجمع الموسوعة المعارف في عدد محدد من الموضوعات وتعرضها على نحو مفصل، فتقدم أفكاراً ومعارف تعليمية عامة. وغالباً ما تذكر تاريخاً للموضوع وتوضيحاً لعلله وتبياناً لعلاقته بالموضوعات المتشابهة، على أن تكون المعلومات حديثة ذات أسلوب واضح وسهل التناول.
توفير مرجع علمي
تهدف الموسوعة العربية إلى توفير مرجع علمي عربي يتناول مختلف جوانب المعرفة الإنسانية، ويقدم خلاصة ما انتهى إليه التطور العلمي والتقاني في العالم. وتطمح إلى تأسيس نواة لقاعدة معرفية موسوعية تصقلها الخبرة والتجربة، ويعززها الإسهام العلمي الذي نريد له أن يبتسم ويغتني بإشراك العدد الأكبر من الباحثين، وبالإِفادة المتنامية من ثمار العلم ونتاجه في هذا العالم الكبير.
تحرص هيئة الموسوعة على تقديم مادتها العلمية إلى القارئ الكريم بتجرد الباحث المنصف، وبروح العلم الخالصة، من غير تعصب أو تحيز أو انفعال.
تتطلع الموسوعة إلى إبراز صورة حية صادقة للحضارة العربية الإسلامية ومنجزاتها في عصورها الزاهرة، وتسعى إلى أن تحلّها محلها الصحيح في مسيرة الحضارة الإنسانية.
تطمح الموسوعة إلى تعريف القارئ العربي بقضايا العصر ومشكلاته وبأبرز ما للأمم الأخرى من منجزات ومظاهر حضارية، آملة أن تلبي حاجات هذا القارئ العلمية والثقافية والتقانية.
وتأمل الموسوعة أن تلبي حاجة الناشئة العربية ونزوعها المتزايد إلى العلم، وأن تكون الاستجابة الصادقة لمطالبها، تُيَسّر لها سبل المعرفة، وتقربها إليها مع بساطة في العرض والأسلوب.
في عالمنا سريع التغير، بالغ التعقيد، تزداد حاجة المثقف العربي إلى مرجع موسوعي يضم القدر الأكبر من مناهل المعرفة وحقولها، ويهيئ خلاصة متخّيرةً مما توزعته ميادينها عن مختلف الموضوعات، ويوفر على طالب العلم عناء البحث الطويل، ويقدم له المادة العلمية الموثقة، والمعلومة الدقيقة الناجزة، وزبدة خبرات الباحثين والمتخصصين.
وما من شك في أن الإحاطة التامة بمجالات المعرفة والحضارة الإنسانية وشعابهما أمر يعوز الكمال، بيد أن هذا لا ينبغي أن يصرفنا عن محاولة تقديم القدر الممكن والمقبول منه. ونحن في صنيعنا هذا نحاول أن نجاري النشاط الموسوعي في كثير من بلدان العالم، أو نلحق بمن سبقنا في هذا النشاط، من غير أن نقتدي بتجارب الآخرين، أو نقلدهم في مناهجهم على تتبع، لكننا لا نعزف عن الإفادة من كل ما نراه موافقاً لأهدافنا ولروح العلم انطلاقاً من إيماننا بتراثنا ومعارفنا، ومن إيماننا أيضاً بفكرة التكامل العلمي في تكافؤ وإنصاف، وبإسهامنا العربي المبكر في صنع الحضارة الإنسانية.
فالعمل الموسوعي في كل أمة من الأمم، هو عمل يلحق اتساع معارفها واكتمال لغتها. والحضارات لا تفنى بتوقف التوالد البيولوجي لصانعيها، لكنها تموت بموت اللغة الحاملة لها. لذا فإن ظهور موسوعة هو عمل يؤرخ مرحلة من مراحل نضج الأمة الثقافي واللغوي.
تختلف الموسوعات فيما بينها بالأسس التي تعتمدها في انتقاء موضوعاتها، وقد تبنّت هيئة الموسوعة العربية أسلوباً خاصاً بها في انتقاء رؤوس موضوعاتها (مداخل المساق)، بما يخدم الأهداف الموضوعة للموسوعة وسياسة الهيئة المسؤولة عن إصدارها، آخذة في عين الحسبان خبرة من سبق لهم التجربة في هذا الميدان من عرب وأجانب. وتطلب ذلك وقتاً وجهداً كبيرين من أجل تبين معالم الطريق ودراسة الموسوعات العالمية وكتب التراث الموسوعية.
وقد بلغ عدد المداخل في مساق الموسوعة العربية نحو اثني عشر ألفاً وثمانمائة وخمسة وخمسين مدخلاً. وروعي في انتقائها أن يكون المساق ملماً بالقدر الممكن بصنوف المعرفة، وشاملاً لكل القضايا العلمية والتقانية والثقافية الرئيسية المعاصرة التي تمس الإنسان العربي في حياته ومعاشه ومستقبله الحضاري والثقافي.
ورتبت المداخل منسوقةً على حروف الهجاء، وروعي أن يكون المدخل عنواناً موجزاً دالاً على فحوى الموضوع ومضمونه إذا لم يكن اسم علم أو مصطلحاً. وكان ترتيب المداخل على أساس الحرف الأول منها يليه الحرف الثاني وهكذا.. ولم يُعتد بـ «ال» التعريف، ولا بكلمات «أب وأم وابن وبنت» في ترتيب الأسماء، إلا إذا كانت من أصل الاسم. وعد الحرف المشدد والألف الممدودة حرفاً واحداً أينما كان موقعهما من الكلمة، واستثنى من ذلك لفظ الجلالة.
تتوجه الموسوعة العربية في بحوثها إلى المثقف العربي المحب للعلم الراغب في الاطلاع على ميادين المعرفة، فتلبي مطلبه وتزوده بالمعرفة في غير ميادين اختصاصه، وهي إلى ذلك ُتذكّر المختص وتفيده وتخدمه في ميدان اختصاصه، وتفتح لطلاب الجامعات وأمثالهم من طالبي المعرفة الأبواب رحبة فيمتحون مما يشاؤون من فوائدها، وتهديهم وتأخذ بأيديهم إلى مصادرها لتجعل منهم نخبة تعيش عصرها وتعي مشكلاته وتواكب فتوحاته ومنجزاته التقانية.
الموسوعة عربية اللسان والطابع، كتبت بلغة علمية عربية فصيحة ميسرة وبألفاظ مصوغة على قدر المعاني مع بساطة في العرض والأسلوب، ومن غير مغالاة في استعمال المصطلحات، وتحسن الإشارة إلى أن الموسوعة اعتمدت في كتابة بحوثها المصطلحات التي أقرتها المجامع اللغوية العربية أو تداولتها الجامعات العربية والمعجمات الموثقة المعتمدة. والمبدأ الأساسي في ميدان المصطلح: مصطلح واحد لمدلول واحد في العلم الواحد، فإذا تعددت المصطلحات العربية المقابلة لمصطلح أجنبي واحد ذي مدلول واحد، تلتزم الموسوعة باستعمال مصطلح واحد منها وفق توصيات مجلس الإدارة.
واليوم غدت الموسوعة بما قدمته علامة فارقة في العمل الثقافي والمعرفي. نضج العمل واكتمل واستقامت البنية، وصدرت عشرات المجلدات غير الموسوعة العامة، في علوم الطب والتقانة والآثار والقانون، ومازالت تمضي قدماً نحو إكمال الغاية التي وجدت من أجلها، وقد وصلت نسخها إلى معظم أقطار الوطن العربي.
التاريخ: الثلاثاء17-11-2020
رقم العدد :2021