الثورة اون لاين -ميسون عيسى:
لم يتفق الناس في الكثير من الأحداث و التفاصيل التي شهدتها الشعوب و البلدان في أزمات سابقة ، و في المطالعات التاريخية تقدم المعلومة مجردة في مصفوفة زمنية خشبية خالية من الحياة و مباشرة و جافة . و كثيراً ما كانت الحقيقة منضوية في كنف الأدب و تحت حمايته ، فالمنتج الإبداعي هو الصندوق الأسود للمجتمعات ، آلة الزمن التي تعيدنا إلى صدق الحدث و إلى حقيقة الأشياء ، لأنه يمتلك القدرة على إعادة خلق و استحضار المناخ لتكوين رؤية أشمل و أوسع .
في رواية ” الفرنكة ” تتجاوز الأديبة إيمان الدرع فعل الكتابة إلى الرؤية الهادفة و التوثيق الفني لفترة حساسة يمر فيها الوطن ، و ببراعة نسَّاج قدير تشد خيوط الأحداث على نول حكايتها لتدفئنا بفيض من النبض الإنساني ، فتستولي على جوارحنا ، عندما ترسم شخصيات روايتها يضجون بالحياة ، على تنوعهم بملامحهم السورية الأصيلة و جوهرهم الطيب ، يظهر ذلك بوضوح في سلوكياتهم و ردود أفعالهم تجاه مشاكل الحياة و انعكاسها بشفافية في الأوقات العصيبة .
تدور الأحداث في دمشق السحر ، الشابة على مدى الزمان محط أنظار الطامع و العاشق على حد سواء ، في بيت دمشقي عريق حولته صاحبته السيدة ” ألفت ” إلى نزل يستضيف سوريين من مختلف المحافظات لأسباب تفرضها ظروفهم للقدوم إلى المدينة حيث يلتقون لفترة من الزمن تتفاعل فيها الأحداث لتترك أثرها على كل منهم بطريقة مختلفة ، و تحرك الكاتبة شخصوها في الشوارع و الأروقة الدمشقية أمينة على جمال وروعة و سحر الشام ، بأنامل حنونة تفيض محبة و دعة ، وعين حساسة و قلب مرهف ، تخلق في وصفها الجميل للأمكنة مساحة من الاسترخاء و التقاط الانفاس . و تأخذنا في مشوارها الأدبي ، لتوثق و تؤرخ مع الحكاية مكامن الجمال في مدينة دمشق و طقوسها الرائعة ، حتى نظن أن للكلمات عطر الورد الشامي و للحروف ألقاً لا يخبو ، و بلغة أنيقة بعيدة عن التكلف و حوار سلس ، تتنقل برشاقة من فصل إلى آخر ، ممسكة بكل الخيوط و بنفس الوقت يشعر القارئ بتطور طبيعي للحدث في تلقائية مدهشة لا يغيب عنها عنصر المتعة و التشويق و الدقة و الديناميكية في سرد المجريات المحيطة بالأحداث ، رغم الألم و قسوة الظروف ، في أتون الحرب التي طالت البشر و الحجر ، و بحرفية عالية تنسل الكاتبة خيوط النور من العتمة و الفرح من الحزن ، و الأبيض من الأسود ، و تفتح نوافذ الأمل على شمس الحقيقة الأبدية في أن المحبة دائماً هي البلسم و هي الحل ، سورية الحبيبة التي كانت دائماً عصية على كل من أراد بها الشر ، ستطوي هذه المرحلة الأليمة من تاريخها ، وعندما تبحث الأجيال القادمة عن صدق الرواية ، سيجدون شخصيات ” الفرنكة ” نابضة بالحياة تسكن في هذه السطور تحكي حكايتنا بنفس وطني مخلص و شريف