كلنا نتحدث عن الفساد.. لكن السؤال: هل الكل يحارب الفساد وهل الكل يسعى للكشف عن مواقع الخلل والاختلاس والتزوير؟. وحتى لا نقع في مطب التعميم لأنه بالتأكيد عندما نعمم فنحن بذلك نظلم، لذلك يمكن القول أن بعضنا لا يتجاوز حديثه عن الفساد أكثر من عملية التنديد بالفساد والتأكيد على ضرورة محاربة الفساد وشرح آثاره وتداعياته.
مناسبة السؤال والكلام اليوم عن محاربة الفساد أنه أصبح هذه الأيام حديث الساعة في الحسكة بعد ضبط سرقات وإهمال وهدر للمال العام في المخابز ومراكز تخزين الحبوب وتحول الأمر إلى ملف ساخن تُضاف إليه كل يوم وقائع و تفصيلات جديدة، وصار من فتح هذا الملف وتصدى له حاضراً بقوة في المشهد العام واعتبره كل من يتابع ويراقب إنجازاً نوعياً لطالما انتظره الناس في حين رأى البعض أيضاً إن ما يتم الآن لن يستمر لأنه سيصطدم بأعداء النجاح وحُماة الفساد، الأمر الذي يؤكد دقة التسمية التي تطلق على محاربة الفساد بالمعركة، وعندما نعتبر محاربة الفساد معركة فذلك يعني أن يتصارع في هذه المعركة طرفان كلاهما يعتمد أسلحة وعتاداً خاصة بهما، والمعركة ضدّ الفساد والفاسدين تحتاج إلى تضافر كلّ القوى وكل هيئات المجتمع صاحبة المصلحة الفعلية في خوض هذه المعركة لأنها معركة وطنية بامتياز.
وهذه المعركة صعبة وطويلة وتحتاج إلى إرادة وتصميم وإصرار وإلى نفَس طويل من أجل تحقيق الأهداف المرجوة منها وفي مقدمة ذلك حماية المال العام واستعادة الأموال المنهوبة تماماً، كما أنّ مقاومة الإحتلال وإجباره على الإنسحاب من الأراضي التي يحتلها يسبقه نضال وكفاح ونفس طويل وتضحيات ما كان ممكناً أن تُحقق ثمارها لولا توافر الإرادة والتصميم والصبر والتحمُّل والنفس الطويل.
هذا الأمر يطرح مهمة أساسية على من يخوض معركة محاربة الفساد وهي التصدّي لحُماة الفاسدين، والعمل على رفع الغطاء عنهم وجعلهم يمثلون أمام القضاء عند ثبوت التهمة عليهم.
كما أنّ هذا الأمر يطرح أهمية وضرورة مساندة القضاء في هذه المعركة والقيام بدوره بشفافية بعيداً عن أيّ تدخلات أو ضغوط وتطهير الجسم القضائي من أيّ فساد إن وجد باعتبار أنّ ذلك خندق أساسي في المعركة.
والأمر الطبيعي أيضاً إن معركة الفساد لا يمكن أن تنفصل أيضاً عن مواجهة السياسات الإقتصادية والمالية وبعض القوانين وما أنتجته من مناخات ملائمة لممارسة الفساد ولا سيما تهميش مؤسسات المحاسبة والرقابة وما يحدث في المناقصات وإجراء العقود بالتراضي التي شكلت مدخلاً خطيراً لعقد الصفقات خارج أيّ رقابة من المؤسسات المعنية بالرقابة والمحاسبة مما سمح بهدر الأموال وتنفيذ المشاريع التي شابها الفساد في طريقة التنفيذ من جهة وتكبير حجم وقيمة عقودها لتسهِل عملية الرشاوى والسرقة من جهة ثانية.
ومن تجربة شخصية ومن موقع عملي الإعلامي لم أواجه في حياتي مسؤولاً يشير إلى مظاهر الفساد في مكان ما أو يكتشف فساداً في مؤسسته ، وإنما دائماً ما تكون الأمور بتكرار الحديث عن محاربة الفساد والتنديد به، إلى درجة أن بعض الذين يمارسون الفساد صاروا يحاضرون بمحاربة الفساد ويضعون أنفسهم في صدارة من يحارب الفساد.
من هنا يمكن القول إن ما حدث ويحدث اليوم في الحسكة من آليات عمل وضعت محاربة الفساد ضمن الأولويات الأولى يمكن أن يشكل أساساً هاماً للانطلاق منه والبناء عليه لتشكيل وعي جمعي وجهود مشتركة من الجميع لخوض هذه المعركة وفق خطة متكاملة قادرة على تحقيق الأهداف المرجوة منها، لأن كثرة تصريحات الجهات المعنية بعزمها على مكافحة الفساد من دون فعل حقيقي يحقق أثراً يفقدها المصداقية في مكافحة الفساد، كما إن العجز أمام هذه الظاهرة والتسليم بصعوبة مجابهتها يكرس فكرة الهزيمة قبل بدء الحرب العدوانية، لأن الإرادة في مكافحة الفساد لا تقاس بحجم التصريحات بقدر قياسها بجدية الأفعال، ومن هنا تأتي الصدمة الإيجابية للرأي العام بالحسكة من خلال كشف فساد مزمن والعزم على محاربته ومحاسبته، لكن يبقى السؤال الأهم: هل يريد الجميع محاربة الفساد.. وهل يشارك الجميع في محاربة الفساد؟.
الكنز – يونس خلف