الثورة اون لاين- د. مازن سليم خضور :
ضمن سلسلة الحرب الأخرى تحدثنا عن استهداف التاريخ والحضارة والشجر والحجر وعن المشكلات الاجتماعية الناتجة والمتفاقمة نتيجة الحرب.. لكن في هذه المقالة نتحدث عن استهداف من نوع آخر وهو استهداف العقول والأدمغة.
الاغتيال “مصطلح يستعمل لوصف عملية قتل منظمة وذات تخطيط مسبق تستهدف شخصية مهمة لها تأثير فكري أو سياسي أو عسكري أو قيادي او اجتماعي، وتتكون عملية الاغتيال من عدة أسباب منها عقائدية أو سياسية أو اقتصادية أو انتقامية”.
ظهر هذا المصطلح بكثرة خلال الحرب السورية نظرًا لزيادة النشاط العملياتي ضد أصحاب العقول العلمية والأدمغة فالعلماء هم جوهر البناء الحضاري لأي بلد وهم الثروة الحقيقية لهذا البلد، وعادة ما يتم استهدافهم في إطار الحروب والصراعات.
عمليات الاستهداف والاغتيال ضد أصحاب العقول عمليات قديمة قدم التاريخ وغالبا ما يتم استخدامها من قبل الدول الاستعمارية ضد النخب من أبناء الدول التي تخضع للاستعمار بالإضافة إلى الجماعات المتطرفة التي تنتهج هذا النهج بقوة.
الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف قال” إن المستعمر دائمًا كان يستهدف الأزهر وعلماءه، فعندما جاء نابليون بونابرت كان يقتل كل يوم 5 من علماء الأزهر”، وتشير بعض الدراسات أنه وصل عدد _أي العلماء_ ممن تم استهدافهم إلى 1500 عالم، الأمر تكرر في العراق لاسيما بعد الاحتلال الأميركي بحق مجموعة كبيرة من العلماء والمفكرين العراقيين في مجالات تخصصية عديدة، أما دور “الموساد” الإسرائيلي واضح في مثل هذه الأعمال بحق العلماء من مختلف الجنسيات العربية.
أدوات وأساليب استهداف العقول:
1- القتل المستهدف:
ويقوم على اتباع منهج الاستهداف المباشر وغير المباشر والذي يعني محاولة احتواء العلماء وتجنيدهم وإعادة توظيفهم لخدمة مصالح العدو وفي حالة عدم الاستجابة للتجنيد تتم تصفيتهم، وفي هذا الخصوص اغتالت إسرائيل مجموعة من العلماء بعد رفضهم العمل معها.
2- وحدات القتل:
مثل وحدة كيدون وستيرن الصهيونية : التي تختص بالتخطيط وتنفيذ عمليات الاغتيال ويخضع عناصر هذه المجموعات للتدريب الصارم في عدة مجالات، من تكتيكات الاستخبارات القياسية إلى القتال اليدوي، مرورًا بالتدرب على استعمال الأسلحة والمتفجرات وإخفائها، وإعداد واستخدام السموم والكيماويات والحقن القاتلة، وقيادة مختلف أنواع المركبات بما في ذلك الدراجات النارية، في مقال للدكتور أفنر كوهين، أستاذ كرسي في مركز أبحاث منع انتشار السلاح الذري في معهد الدراسات الدولية في كاليفورنيا، ومؤلف كتاب “إسرائيل والقنبلة”، المنشور في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية الصادرة بتاريخ 2012/1/15. قال كوهين إن الثقافة الإسرائيلية تقدس مثل هذا العمل _أي اغتيال العلماء_ وإن عدم القيام به يعتبر في عرفها “خيانة”.
3- شن حملات دعائية تشهيرية واسعة النطاق:
للتهويل من أي خطوة علمية مهما كانت متواضعة، واستخدام مصطلحات مثل القنبلة النووية العربية والقنبلة النووية الإسلامية والقنبلة الإرهابية من أجل إثارة الرأي العام العالمي وفي نفس الوقت تهيئته لقبول أية ضربات عسكرية استباقية كما تم في العراق واكذوبة الكيماوي.
لقد قامت الدول التي احتلت العراق مع “إسرائيل” بعمل ممنهج من أجل اغتيال علماء العراق بكل التخصصات ذات الأهمية في مجال البحث العسكري والدفاعي والتسليحي.
على الجانب السوري لم تنقطع عمليات اغتيال العلماء والأكاديميين السوريين طيلة العقود الماضية، أساليب عدة استخدمتها الدول الراعية للإرهاب والتنظيمات الإرهابية في سورية، فمنذ سنوات ماضية تم العمل على استهداف الكفاءات والعقول على يد المجموعات الإرهابية والقوى الاستعمارية وازدادت مع بداية الحرب في العام “2011” يسعى التقرير التالي للتعرف إلى أبرز العلماء السوريين الذين استهدفوا بطرق متباينة سواء على يد التنظيمات الإرهابية وبالأخص “الإخوان المسلمون ” أو على يد أجهزة الاستخبارات الأجنبية ومن العمليات استهداف كل من :
_ الدكتور محمد الفاضل رئيس جامعة دمشق الذي اغتيل في العام “1977”.
_ العميد عبد الكريم رزوق آمر فيلق الصواريخ (كان يعتبر بشهادة الغرب من أفضل ضباط الصواريخ في العالم) الذي اغتيل في حزيران يونيو “1977”.
_ الأستاذ علي بن عبد العلي من جامعة حلب الذي اغتيل في العام “1977”.
_نقيب أطباء الأسنان السوريين الدكتور ابراهيم نعامة الذي اغتيل سنة “1978”.
الدكتور محمود شحادة خليل المختص بجراحة الأعصاب (الذي كان يعد من أبرز أطباء جراحة الأعصاب في العالم) الذي اغتيل في العام “1979”.
_في العام “2011” تم اغتيال المخترع السوري، عيسى عبود في حمص الحائز على جائزة «الويبو» الذهبية، في مدينة جنيف السويسرية، ولينال في سنة 2000، لقب أصغر مخترع في العالم، عندما كان في السادسة عشرة من عمره.
حيث قام عبود بحوالي 18 اختراعاً، كان أهمها براءة اختراع تتيح إمكانية تخزين المعلومات الرقمية (صوت وصورة) في ذاكرة الخلايا العضوية لدماغ الدجاجة.
_ وفي العام “2011” كذلك تم اغتيال أستاذ التاريخ د. محمد العمر في جامعة “إيبلا” الخاصة بالقرب من مدينة سراقب التابعة لمحافظة إدلب على أيدي تنظيمات إرهابية مسلحة وكان الدكتور العمر رفقة سارية حسون ، نجل المفتي العام لسورية أحمد بدر الدين حسون
_ أيضا في العام “2011” كانت مجموعات إرهابية مسلحة في حمص قد اغتالت كلا من الدكتور حسن عيد رئيس قسم جراحة الصدر في المستشفى الوطني بحمص والمهندس اوس عبد الكريم خليل الخبير في الهندسة النووية القائم بالأعمال في جامعة البعث وكذلك الدكتور محمد علي عقيل نائب عميد كلية هندسة العمارة ووكيلها العلمي بحمص.
_في العام “2012” استهداف اللواء الدكتور المهندس نبيل إبراهيم زغيب، حيث قامت مجموعة إرهابية مسلحة بمهاجمة سيارة زغيب في منطقة باب توما بدمشق وعمدت إلى إعدامه وأفراد عائلته، ما أدى الى استشهاده وابنه جورج وزوجته فيوليت، وإصابة ابنه جيمي بجروح خطرة.
_ في العام “2013” اغتيال العلامة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي الذي يعد من أبرز الفقهاء والدعاة في العالم الإسلامي وهو في 83 من العمر بتفجير في مسجد الإيمان في حي المزرعة شمال دمشق خلال إلقائه درسا دينيا للمصلين.
_اغتيال 5 من علماء الطاقة السوريين يوم 10 أكتوبر “2014” وذلك عن طريق استهداف سيارة كبيرة في منطقة برزة بدمشق أدت إلى استشهاد خمسة أشخاص، واتضح أنهم من علماء الطاقة النووية في سورية.
– في العام “2018” تم استهداف العالم السوري عزيز إسبر في محافظة حماة بعبوة ناسفة مُثبتة داخل سيارة في حين رجحت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أن يكون جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” هو من ارتكب جريمة اغتيال الدكتور عزيز إسبر مدير مركز البحوث العلمية في مصياف.
في الختام السلسلة تطول لاغتيال هؤلاء النخب لكن استهداف العقول والأدمغة الوطنية يهدف إلى اضعاف وتدمير القدرات العلمية البارزة في سورية وهم ثرواتنا الفكرية والعلمية والكنز الثمين الذي ينبغي الحفاظ عليه بكل السبل المتاحة، وينبغي تضافر الجهود جميعها لاسيما في ظل وجود استراتيجية إسرائيلية واستعمارية ترتكز على مجموعة من السياسات والأدوات الخاصة باغتيال العقول وبالتالي يجب العمل على تشجيع ودعم هذه العقول والعمل على تأمين متطلباتهم العلمية والعملية كذلك الاهتمام بعملية البحث العلمي في الجامعات ودعم الجانب التطبيقي لزيادة أعداد هؤلاء العقول ومنعهم من الهجرة والحفاظ على أمنهم الشخصي.