الأدب وتجربة الحياة

الثورة اون لاين:

حين سئل نجيب محفوظ عن النوع المأساوي الذي يطغى على أعماله الروائية قال: أنا ابن المجتمع، وأعرف الكثير الكثير، لم أنقل منه إلا القليل، ما رأيته أكبر من هذا، وكان نجيب محفوظ كما هو معروف يعمل في الشؤون الاجتماعية، تحديداً بمكان يتيح له أن يرى المآسي كلها، حيث تأتي النسوة لرهن الحلي من أجل مبلغ من المال، أما حنا مينة فيقول: أنا ابن الفقر الأسود، وقد غاص الروائيان في أعماق المجتمع، ونقلا الهموم والآلام والمعاناة، وزرعا الروح الإيجابية، بمعنى آخر : الحياة نسغ ما كتباه.
من جديد تطل هذه القضية في مشهد النقد الحالي، ويعالجها الناقد جودت هوشيار بدراسة مهمة جداً، يرى فيها أن أغلب الروائيين المعاصرين هم من خريجي التخصصات الأدبية أو اللغوية في الجامعات، وهم يعملون في مكاتبهم بين رفوف الكتب التي تحاصرهم ، ولا يريدون النزول إلى الشارع والاختلاط بالناس، والخوض في الحياة العملية واكتساب التجارب التي لا غنى عنها لفهم الآخرين .
الجامعات لا تعلّم سوى الأدب الكلاسيكي، وينبغي أن تكتب الرواية استناداً إلى التجارب الشخصية، وهذا أمر جيد من حيث المبدأ، ولكن كم رواية بإمكان شاب لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره أن يكتبها عن نفسه؟ قد يكتب رواية واحدة جيدة إذا كان صاحب موهبة، ولكن الرواية الثانية ستكون عن شاب كتب رواية ناجحة، ولا يملك الآن نقوداً، وليس لديه صديقة أو حبيبة، ويتبهدل يومياً في وسائط النقل العام، وهذا أمر غير ممتع على الإطلاق .
ووفق جودت هوشيار :
. لو كان ديكنز قد عمل حسب هذا المبدأ ، لكتب رواية ” ديفيد كوبرفيلد ” فقط، تولستوي كان قد خدم في الجيش وخالط علية القوم ، وحرث الأرض قبل أن يكتب ” الحرب والسلام ” و” آنّا كارينينا” .
في عام 1916 نشرت مجلة ” ليتوبيس ” أي ” الوقائع ” التي كان يصدرها مكسيم غوركي في العاصمة الروسية القيصرية بطرسبورغ قصتان قصيرتان لإسحاق بابل .


أثارت القصتان اهتمام القراء والنقاد، وأصبح اسم بابل معروفاً إلى حد ما، وواصل الكاتب الشاب كتابة قصص جديدة، حيث كان يكتب قصة واحدة كل يوم ويعرضها على غوركي، الذي كان يقرأ القصة بتمعن، ثم يقول: إنها غير صالحة للنشر، وتكرر ذلك مرات عدة، وأخيراً تعب كلاهما، وقال غوركي بصوته الجهوري الأجش: «إنك تتخيل أشياء كثيرة تقريبية؛ لأنك لا تعرف الحياة بعد، عليك التوجه إلى الناس، ومعرفة الواقع، واكتساب تجربة ذاتية تساعدك على فهم الحياة، قبل أن تكون قادراً على كتابة قصة جيدة .
أفاق بابل في صباح اليوم التالي ليجد نفسه -بمساعدة غوركي بطبيعة الحال- مراسلاً لصحيفة لم تولد بعد، مع مئتي روبل في جيبه، لم تولد الصحيفة قط، لكن الروبلات المنعشة كانت ضرورية له.
استمرت رحلة بابل في خضم الحياة سبع سنوات (1917: 1924م) كان في أثنائها جنديّاً في الجبهة الروسية – الرومانية إبان الحرب العالمية الأولى، ومراسلاً حربيّاً في فرقة «الفرسان الحمر»، وموظفاً في مفوضية التعليم، ومديراً لدار نشر في أوديسا، ومندوباً لبعض الصحف في بطرسبورغ وتبليسي، قطع كثيراً من الطرق، وشاهد كثيراً من المعارك، وكان طوال تلك السنوات يكتب ويطوّر أسلوبه، ويجرب التعبير عن أفكاره بوضوح واختصار، وبعد تسريحه حاول نشر نتاجاته، وتسلّم من غوركي رسالة يقول فيها: “ربما الآن يمكنك أن تبدأ” .
وليس من قبيل المصادفة ان لكل كاتب عظيم تجربته الحياتية الثرية والمتنوعة التي تشكل منهلاً لا ينضب لأعماله الأدبية . همنجواي كان مراسلاً حربياً في الحرب العالمية الأولى والحرب اليونانية – التركية ، وخبر عن قرب مآسي الحرب وانطباعاته عنها أصبحت جامعته الأولى، وانعكست في كل أعماله المبكرة، التي تعتبر مواقف ولحظات من سيرته الذاتية، وكان شاهداً على الأزمة الأقتصادية في بلاده، وزار العديد من البلدان المختلفة، وعاش معظم حياته خارج وطنه الولايات المتحدة الاميركية ولم يكتب عنها إلا الشيء القليل نسبياً.
جون شتاينبك عمل مراسلاً لصحيفة “سان فرنسيسكو نيوز ” ليس لأنه كان بحاجة إلى المال، بل لأنه أراد أن يخوض في أعماق الواقع الاجتماعي ويجمع المادة الأولية لروايته عن هذا الطريق، العمل كمراسل قادت إلى معسكر العمال الوقتيين المهاجرين، هكذا ظهرت رواية ”عناقيد الغضب”، أما ” دوس باسوس ” فقد جاب البلاد بحثاً عن المادة الأولية لرواية ” مانهاتن ” وثلاثية ” الولايات المتحدة الأميركية ” .
كبار الروائيين أمثال بلزاك وفلوبير وتولستوي ودوستويفسكي وغوركي ، واندريه موروا ، وترومان كابوتي ، ونورمان ميلر وغيرهم ، خاضوا في أعماق الحياة ، قبل الجلوس أمام طاولة الكتابة.
حقائق الحياة المؤثرة ثمينة بحد ذاتها حتى بمعالجة أدبية بسيطة، ولكن الأدب ليس أثنوغرافيا، أو تأريخاً، أو علم اجتماع. معرفة شيء ممتع أو شائق والكتابة عنه مهمة الصحفي وليس الكاتب، ثمة ( كتّاب ) تنقلوا بين مهن كثيرة وشاهدوا الكثير من الحوادث الغريبة وكتبوا عنها، ولكنهم فشلوا في كتابة عمل فني ناضج، لأن استنساخ الواقع عجز عن الإبداع، الكاتب المبدع لا يجمع المواد لعمله الأدبي، بل تعيش في داخل هذه المواد، ويتفاعل معها ليحولها إلى تجربة روحية يعرض فيها شيئاً لم يكن بمقدور القارئ أن يراه لو كان في مكان الكاتب.
يبدأ الإبداع عندما يصمم الكاتب في ذهنه أنموذجاً للموقف. يرسم صور الشخصيات، ويطور الفعل، ويملأ الهيكل باللحم والأعصاب، وهنا يتطلب الخبرة الحياتية أين ومتى عاش الأبطال، ما هي ملامحهم، وماذا يعملون، وماذا يلبسون، وكم يكسبون من نقود، ويتنقلون بأي واسطة نقل، وماذا يحيط بهم. الكاتب يتوجه إلى ذاكرته وخبرته، وتظهر ملامح الورشة، التي عمل فيها في وقت ما، والأماكن، التي استجمّ فيها.
فهم المادة الحياتية يعني القدرة على إدراك معنى كبير في حقيقة صغيرة، على الروائي أن يتعمق في جوهر الأشياء، ولا يكتفي بوصف مظاهرها الخارجية فقط.

آخر الأخبار
New York Times: إيران هُزمت في سوريا "الجزيرة": نظام الأسد الفاسد.. استخدم إنتاج الكبتاجون لجمع الأموال Anti war: سوريا بحاجة للقمح والوقود.. والعقوبات عائق The national interest: بعد سقوط الأسد.. إعادة نظر بالعقوبات على سوريا بلدية "ضاحية 8 آذار" تستمع لمطالب المواطنين "صحافة بلا قيود".. ندوة لإعداد صحفي المستقبل "الغارديان": بعد رحيل الديكتاتور.. السوريون المنفيون يأملون بمستقبل واعد باحث اقتصادي لـ"الثورة": إلغاء الجمرك ينشط حركة التجارة مساعدات إغاثية لأهالي دمشق من الهلال التركي.. السفير كوراوغلو: سندعم جارتنا سوريا خطوات في "العربية لصناعة الإسمنت" بحلب للعمل بكامل طاقته الإنتاجية الشرع والشيباني يستقبلان في قصر الشعب بدمشق وزير الخارجية البحريني عقاري حلب يباشر تقديم خدماته   ويشغل ١٢ صرافا آلياً في المدينة مسافرون من مطار دمشق الدولي لـ"الثورة": المعاملة جيدة والإجراءات ميسرة تحسن في الخدمات بحي الورود بدمشق.. و"النظافة" تكثف عمليات الترحيل الراضي للثورة: جاهزية فنية ولوجستية كاملة في مطار دمشق الدولي مدير أعلاف القنيطرة لـ"الثورة": دورة علفية إسعافية بمقنن مدعوم التكاتف للنهوض بالوطن.. في بيان لأبناء دير الزور بجديدة عرطوز وغرفة العمليات تثمِّن المبادرة مباركة الدكتور محمد راتب النابلسي والوفد المرافق له للقائد أحمد الشرع بمناسبة انتصار الثورة السورية معتقل محرر من سجون النظام البائد لـ"الثورة": متطوعو الهلال الأحمر في درعا قدموا لي كل الرعاية الصحية وفد من "إدارة العمليات" يلتقي وجهاء مدينة الشيخ مسكين بدرعا