الثورة أون لاين:
تسلط رواية (مقبرة العظماء) للروائي السوري مقبل الميلع، الضوء على شخصيات (كبيرة) كان لها دور في التاريخ، وزمن الرواية هو القرن العشرون، قرن التحولات العاصفة الَّذي تغيّرت فيه الأشياء وبدت على غير حالها، ونمت فيه الأفكار حتى وصلت إلى أوج طغيانها، فتبدّلت الجغرافية والأفكار والسياسات والعلوم والإيديولوجيات والثقافات تبدلاً أدى إلى حروب وكوارث، وإلى علوم فتحت آفاقاً جديدةً.
أما المكان في رواية (مقبرة العظماء) فهو عبارة عن مقبرة ذات سور، ويضيف الكاتب ساحة روايته الَّتي لا تتجاوز حدود هذه مقبرة، لم يتركها مفتوحة بل أحاطها بسور ذي دلالة واضحة في ذلك الزمان المخيف، وما بين ضيق المكان واتساع الزمان تأتي لعبة الراوي مقبل الميلع، بينما الشخصيات عبارة عن قبور وشواهد، هذه القبور الَّتي انتصبت شواهد حدث وسط مقبرة تشكّل أبطال الرواية، انتصبت شواهدُها لتعلن وجود عدمها ونتائج فعلها، فكانت حركة القبور مادة الرواية.
حفار القبور الحيّ الوحيد والشاهد الحاضر على شواهد القبور وهو الشخصية الوحيدة الحية الَّتي تتحرك بين الأصوات، والجمجمة المتحركة التي ابتدعها الكاتب وأودع بداخلها أضعف المخلوقات والتي من خلالها حرك بحرفية أفكار روايته جاعلاً منها حاملاً وفزاعة.
رواية (مقبرة العظماء) مبنيّة على خمسة مرتكزات أساسية جال فيها الراوي جولته الواسعة على مدى أربعمئة وثمانٍ وأربعين صفحة، جاءت مبوبة، وقراءة سريعة لا تفي بالغرض، ولا تعطي الرواية حقها من الدراسة، فالرواية مغرية في مادتها، جاذبة في بناء مرتكزاتها، شيّقة في أسلوبها، متشعّبة في معلوماتها، تتحدث عن التاريخ وليست تاريخاً، وتتعمّق في السياسة ولا تنتمي إليها، وتتوغل في الحروب ولا تخوضها، وتقارب الفلسفة ولا تباشرها، وتعرض الإيديولوجيات ولا تقرّها، إنها خلطة من هذا كله بنكهة السرد الَّذي يشي بالواقع ولا يلامسه، ويذكِّر بالحدث ولا يقرّره، هذه الخلطة هي سرّ جمالية أسلوب مقبل الميلع الروائي، فأخذت جمالها من وصف شخصياتها الذين كانوا أدوات فعل، وحوامل فكر، بما لهم وما عليهم، وهنا يُحسب للكاتب قدرته على احتواء ضخامة الحدث ورصده من خلال عمل روائي متشعّب.
الرواية تتحدث عن القرن العشرين، وفيها أحداث كبيرة ومفاصل تاريخية حاسمة بدءاً من الحرب العالمية الأولى وأفول الإمبراطورية العثمانية، مروراً بالحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، وصولاً إلى انهيار الاتحاد السوفييتي، وفي هذا الامتداد الزماني نقف عند حروب أخرى كحرب كوريا وفيتنام وحرب البوير وحرب حزيران وحرب تشرين التحريرية وحرب الخليج وغيرها.
جمع الكاتب أفكار ومواقف بعض قصص من سمّاهم عظماء القرن العشرين في مقبرة، لمحاورتهم واستنباط آرائهم للوقوف على الحقيقة، و(مقبرة العظماء) كما يراها الكاتب، ليست رواية تاريخية، هي رواية أدبية، زمانها القرن العشرون، وبناؤها يقوم على أهم الأحداث الَّتي توّجت ذلك القرن، وفي ذلك خلل يمكن اكتشافه بعد الانتهاء منها، يمكن القول إنها رواية سياسية بامتياز، زمانها مفتوح على التاريخ الماضي والحاضر والمستقبل، وبناؤها يقوم على البحث عن السياسة الَّتي تطفو على تاريخ الحروب، والحقيقة نحن أمام رواية سياسيّة تستلهم التاريخ برؤية واعية لتفاصيله ووقائعه الكثيرة الَّتي نحتاج إلى أرشيف كامل لتبويبها وتحميلها لعملية السرد وبناء الشخصيات، ولو أنه استبدل الشخصيات الواقعية بشخصيات موازية رمزية لكان القارئ أمام رواية أدبية من نوع خاص تضاف إلى النوع التاريخي الَّذي ظهرت منه نماذج كبرى، لكنه أراد أن يجمع المتناقضات لنتعرّف نحن عليها ونصدر حكمنا التاريخي.
يقول بعض النقاد إن الرواية ليست تاريخية بالمعنى الحقيقي لكنها تحمل الكثير من الرموز التي استند الكاتب إليها، ويقول آخرون إنها ليست سياسية ولا تاريخية، ويقول آخرون إنها عامة شاملة تتحدث عن أشياء كثيرة منها الحالات الوجدانية والإنسانية للإنسان العربي تستخدم الوصف الترميزي الذي يكاد أن يكون سريالياً في 448 صفحة من القطع المتوسط.
الروائي الميلع قال إن ما دفعه إلى كتابة الرواية هو توضيح الصورة الحقيقية للوطن أمام الغرب مشيراً إلى أنه لا يقصد بالعظماء الأشخاص الجيدين وإنما يرى أن هناك عظماء إيجابيين كغاندي وآخرين سلبيين مثل هتلر.